لزوم الاطّراد في الحكمة ، كما إنّ محلّه فيما تحقّق الحرج بالنّسبة إلى بعض دون الغالب ، فيما إذا اشترك الغالب معه بحسب الحالة ، ومن هنا يمكن الحكم ، بعدم تحقّق مصداق لهذا الفرض ؛ نظراً إلى أنّ لزوم الحرج في حقّ بعض الأشخاص إذا استند إلى بعض الصفات المختص بها كالبخل ، وخسّة النّفس ، فقد عرفت عدم إرادته من دليل نفي الحرج.
وبالجملة الحرج قد يكون علّة ، وقد يكون حكمة والّذي يبحث عنه هو ، الاوّل ، لا الثّاني ، لعدم الإشكال ، بل الخلاف في الثّاني أصلا. وهذا الكلام كما ترى جار في الضّرر المنفيّ في الشّرع أيضاً ؛ فانّ سبيله من هذه الجهة ، سبيل نفي الحرج.
والّذي يقتضيه التّحقيق الثّاني ، لظاهر الخطاب من حيث تعلّقه بكلّ مكلّف ، في قوله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(١) وقوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ)(٢) الآية ونحوهما. لا بالمجموع من حيث المجموع فتدبّر.
هذا مضافاً إلى إنّ ما دل على نفيه من الآيات والأخبار ، يمنع من إرادة الوجه الأوّل ، حيث أنّ تفويت المصلحة الملزمة في حق من لا يكون الفعل بالنّسبة اليه حرجاً ، لا تدارك له أصلاً فرفع الحكم عنه ليس فيه امتنان أصلاً.
هذا كلّه مضافاً إلى أنّ المصرّح به في بعض الاخبار المتقدّمة ، لفظة أحدكم ، وهو ظاهر أيضاً في إرادة المعنى الثّاني.
وربما يستشكل فيما ذكرنا ، بأنّ موارد بعض الآيات كقوله تعالى : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)(٣). وغير واحد من الأخبار لا يكون حرجيّاً في حقّ كلّ أحد مع أنّ الحكم ، ثابت فيها في حقّ كلّ مكلّف حتّى من لا حرج بالنّسبة إليه أصلاً ، فيكشف ذلك ، عن كون المدار
__________________
(١) حج : ٧٨.
(٢) البقرة : ١٨٥.
(٣) البقرة : ١٨٥.