بعدم موافقة احدهما للواقع.
بيان ذلك : أن دليلها ـ لو كان ثم دليل عليها ـ إن اختص بالأحكام الواقعية التزمنا بها على ما هي عليه. فإذا علمنا بتكليف تفصيلي ، التزمنا به تفصيلا وإذا علمنا بتكليف إجمالي التزمنا به التزاما إجماليا ، لأن الالتزام به تفصيلا خلف وتشريع. ولا ينافى هذا الالتزام بثبوت حكم ظاهري على خلافه ، لأن معنى الالتزام ، إن كان هو عقد القلب على أنه هو الذي جاء به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فنحن ملتزمون به كذلك. وإن كان معناه العمل على وفقه فنحن نعمل على وفقه إذا كان ممكنا. وأما إذا كان متعذرا ، فلا داعوية فيه حينئذ.
هذا إذا اختص بالأحكام الواقعية. أما إذا كان يشمل الأحكام الواقعية والظاهرية ، فإذا ثبت حكم ظاهري لوجود المقتضي له ، وفقد المانع منه ، كما في المقام ، فإنا نلتزم به ايضا ، لفرض قيام الدليل على وجوب الالتزام به مطلقا ، سواء علم بعدم مطابقته للواقع أم لا ... نعم إذا لزم منه مخالفة عملية ، لم يجر بوجه لما مر.
وقد ظهر أنه لا منافاة بين الالتزام بالواقع على ما هو عليه ، مع الالتزام بالظاهر على ما هو عليه بالضرورة. ودعوى عدم جريان الأحكام الظاهرية ، إذا لم تكن موافقة للواقع ، حتى مع عدم لزوم المخالفة العملية ، ممنوعة. لأن ذلك تخصيص لدليل الأصول بلا مخصص لفظي ولا عقلي ، فإن العلم بعدم مطابقة أحدهما للواقع ليس محذورا عقليا بنفسه ، بعد عدم منافاته لداعوية التكليف ، ولدليل وجوب الالتزام. فلم يبق إلا احتمال أن يكون الشارع الزمنا بأن لا نجري الأصول إلا مع احتمال مطابقتها للواقع. وهذا الاحتمال لا أثر له ، بعد نفيه بإطلاق دليل الأصول ، وبعد عدم قيام دليل عليه بالخصوص.
والذي اعتقده أن هذا هو الذي كان شيخنا المرتضى (رحمهالله) يحاول بيانه في مسألة الدوران بين الوجوب والحرمة .. فلاحظ كلماته في الصحيفة