وأما الماهيات الاعتبارية ، فلا يجب تقومها بشيء ، ويصح تقومها بأمور عدمية ، بمعنى تعنونها بالعدم ، أو جعل موضوع الحكم مركبا من أمر عدمي وأمر وجودي ، كما في تحيض غير القرشية إلى الخمسين. وقد ظهر أن في تسمية الأمور الاعتبارية والعرفية (ماهيات) ، ضربا من التجوز تشبيها لها بالماهيات الحقيقية.
٥٧ ـ قاعدة
المقتضي والمانع
وقد تعرضنا لها في عدة مسائل في الفقه.
منها : مسألة الماء المتمم كرا بماء متنجس.
ومنها : مسألة الماء الذي اقترن تتميمه كرا بملاقاته للنجاسة.
ومنها : مسألة التمسك بالعام في الشبهات المصداقية.
ومنها : أدلة نفي الشك عن كثير الشك بالنسبة إلى الشكوك الصحيحة.
وقد قيل في المسألة الأولى والثانية أن ملاقاة النجس أو المتنجس مقتضية للانفعال ، وأن الكرية مانعة منه ، فمع الشك في انفعال الماء المتمم (بالفتح) يكون المقتضي هو المؤثر. وعليه فيكون الماء المذكور محكوما بالنجاسة.
والتحقيق أنه إذا كان المورد من موارد هذه القاعدة هو الحكم بالطهارة ، لأن المقتضي في الفرض قد اقترن بالمانع ، ويمتنع عقلا تأثيره في هذا الحال ، وقد قيل أو توهم أن العام فيه اقتضاء لحكمه المتعلق به والخاص مانع ، فإذا قال المولى أكرم العلماء ، علمنا أن العلم هو المقتضي لإكرامهم ، فلو وجد شخص عالم ، وشككنا في فسقه ، نقول المقتضي لإكرامه موجود ، والمانع مشكوك ، ومقتضى القاعدة هو تأثير المقتضي عند الشك في وجود المانع ، أو مانعية الموجود هذا مضافا إلى أصالة عدم المخصص وعدم القرينة.
وفيه : أنه إن ثبت استقرار طريقة العقلاء على كونهما في مثل المقام ، كأصالتي عدم المخصص وعدم القرينة ، عند الشك في أصل وجودهما ، وثبت تقرير الشارع لهما ، كانتا حجة ، وإلا فلا.