ولا ريب أن العقل ، كما يحكم بوجوب الإطاعة ، يحكم بوجوب إحرازها ، لأن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني. وبعبارة ثانية : أن بعث العقل إلى الإطاعة هو عين بعثه إلى إحرازها ، لا أنه له حكمان ، وأنه يحكم بوجوب الإطاعة أولا ، ثم يحكم بإحرازها ثانيا.
وإذا عرفت هذا علمت أننا إذا علمنا إجمالا بخمرية أحد الإنائين ، لم يجز لنا ارتكاب شيء منهما ، لأن الكبرى ، وهي حرمة الخمر ، معلومة بالضرورة والصغرى أعني خمرية الإناء الموجود في هذين أيضا محرزة ، والعقل لا يفرق بين الخمرة المتميزة والخمرة المشتبهة كما في المثال : ألا ترى أن العقلاء إذا علموا بوجود السم في إناء مردد بين إناءين يمتنعون عنهما ، كما يمتنعون عنه لو كان في إناء معلوم بالتفصيل.
مضافا إلى أن الترخيص في الفرض الآنف بواحد منهما لا غير ، واجتناب الآخر ، فيه مخالفة احتمالية وموافقة احتمالية. ولازم ذلك احتمال مناقضة الشارع لنفسه ، واحتمال مناقضة العقل لنفسه. وفي كون احتمال مناقضة كل منهما لنفسه كالمناقضة في الاستحالة ، أو كون خصوص احتمال مناقضة العقل لنفسه مستحيلة ، كلام ستعرفه في قاعدة آتية إن شاء الله تعالى.
٥٣ ـ قاعدة
في أن احتمال المناقضة كالمناقضة
في الاستحالة ، أو لا؟
والكلام فيها تارة في احتمال مناقضة العقل لنفسه ، وأخرى في احتمال مناقضة الشارع لنفسه.
أما احتمال مناقضة العقل لنفسه في مثل ما نحن فيه ، فلا ينبغي الريب في استحالتها. لأن ترخيص الشارع في بعض المحتملات على تقديره! ترخيص في محتمل المعصية ، والترخيص في محتمل المعصية ترخيص في المخالفة