حجة فيما بيننا وبين الله. وانما هم قوم اجهدوا انفسهم ، وظنوا امورا فبنوا عليها ، وجعلوها أسسا وقواعد. ومما ذكرناه يتضح حال لا ضرر؟؟؟ على أن مفادها رخصة لا عزيمة.
ومن هنا يتضح أن لا ضرر ودليل نفي الحرج لا يجريان في المستحبات لعدم المنة ، ولأنه لا الزام فيها ، فلا يلزم منها ضرر أو حرج ، لبقاء اختيار العبد شرعا. والقاعدتان ترفعان الاحكام التي يلزم منها الضرر والحرج.
فالضرر والحرج ، المترتبان على فعل المستحبات ، يكونان عنوانا لفعل المكلف لا للتكليف ، ومحمولين على اقدامه لا عليه ... فلاحظ ما اسلفناه من التمهيد في التنبيه الأول والله المسدد للصواب.
التنبيه الثالث : في أن (لا ضرر) قاعدة مهملة.
حكي عن شيخنا المرتضى أن لا ضرر قاعدة مجملة من جهة كثرة التخصص الوارد عليها وأنه لا يمكن الأخذ بها في مورد من مواردها ، إلا بعد عمل الاصحاب بها فيه وأنها كقاعدة الميسور والقرعة.
والتحقيق : إن القواعد الثلاث ليست على نسق واحد ، وأنه لا يلزم من العمل بقاعدة لا ضرر مثل ما يلزم من العمل بقاعدة القرعة وقاعدة الميسور من اللوازم الفاسدة. وتوضيح حال قاعدة القرعة والميسور ، في المبحث المتعلق بهما من هذا الكتاب (١).
واما قاعدة لا ضرر فأهم ما يوجب دعوى اجمالها هو دعوى كثرة التخصيص ، ودعوى كون ذلك موجبا للاجمال ، والتحقيق أن كلا الدعويين ممنوعة.
اما منع الصغرى : اعني كثرة التخصيص ، فلا مكان دعوى كون الموارد الخارجة عن القاعدة خارجة تخصصا لا تخصيصا ، أو دعوى خروجها بجامع واحد مثلا ، أو دعوى كونها لم تبلغ من الكثرة مبلغا يوجب استهجان استعمال العام في الباقي عرفا.
__________________
(١) لاحظ قاعدة القرعة ٤٥ ص ١٥٩ (٣٩) أما قاعدة الميسور ففي الجزء الثاني المعد للطبع.