الشارع ، كان ذهاب مالية المتنجس أمرا واقعيا : كالاحتراق. وهو ليس من المجعولات الشرعية ، فلا يشمله حديث لا ضرر.
وأما إذا كانت أمورا مجعولة سواء أكانت منتزعة عن الحكم التكليفي أو كانت موضوعا له ، كان خروجها عن القاعدة تخصيصا للقاعدة بالاجماع والضرورة مثلا.
ومنها : ما قالوه كما قيل : في أنه لو غصب لوحا ووضعه في السفينة ، أو غصب أرضا وغرس فيها غرسا ، أو بنى فيها بناء ، أنه يجب عليه ارجاع اللوح واخلاء الأرض وإن تضرر ، إذا طلب المالك منه ذلك. وفيه : أن الضرر هنا لم يحصل من قبل الحكم الشرعي ، بل من قبل إقدام الغاصب. ويمكن أن يكون خروجه تخصيصا بقوله (ص) : ليس لعرق ظالم حق. وقوله (ص) : الحجر المغصوب في الدار رهن على خرابها. ويمكن أن تكون أدلة الغصب حاكمة على حديث لا ضرر لأن حرمة المغصوب أيضا عنوان ثانوي. ويمكن أن يقال : أن وجوب رد المغصوب شرع ضرريا نظير الخمس والزكاة.
التنبيه الرابع : في تعارض الضررين :
وفيه صور كثيرة :
منها : تعارضهما الناشئ من تعارض السلطنتين كما لو كانت سلطنة كل من الجارين على ماله تستدعي ضررا على الآخر منهما. كما لو حفر كل منهما بئرا في ملكه دفعة واحدة ، وتبين أن كلا منهما مضرة بالأخرى ، ولا ينبغي الاشكال في كون كل منهما ممنوعا من التصرف في ملكه ، إذا كان تصرفه مضرا بالآخر ، لفرض حكومة لا ضرر على قاعدة السلطنة ، وحينئذ فلا تعارض بين السلطنتين ولا بين الضررين لانتفائهما بانتفاء موضوعهما. وفيه : أن مقتضى منعهما من التصرف هو تغوير البئرين وطمهما ، لأن إبقاءهما موجب لاستمرار الضرر ، وهو كما ترى ، ويمكن أن يقال أن المعارضة حينئذ بين السلطنتين ، لأن مقتضى إطلاق قاعدة السلطنة هو مشروعية سلطنة المالك على ملكه ، أضرت بالجار أم لا ، فيتعارض الاطلاقان ويدور الأمر بين أن لا ينطبق على شيء منهما بدعوى