فيه مسامحات كثيرة ، فإنه فيه مسامحة من جهة أنه لا تعارض إلا مع لزوم المخالفة العملية ، وفيه مسامحة أخرى من جهة أنهما لا يتصفان بالكذب ولا بالتكاذب ، وفيه مسامحة ثالثة لأن إطلاق التعارض في غير محله ، وذلك لأنهما معارضان لدليل الواقع ، فإنه يدعو إلى متعلقه ، والأصول النافية ترخص في تركه ، فيكون ذلك معارضا له ، لا إن كل واحد من الأصلين معارض للآخر ليسمى تعارضا ، فهما إذن معارضان لا متعارضان وهذا واضح إذا كان مؤدى الأصول مخالفا للواقع .. وإما إذا كان موافقا فله بحث آخر.
وينبغي أن يعلم أن المخالفة العملية موجودة في موارد تنجز العلم الإجمالي كلها ، حتى التي تنحصر بعد التنجز في فرد ، وتوضيح حالها في محلها (١).
٤ ـ قاعدة
في بيان الفرق بين موضوعات الأحكام
العقلية والشرعية وبيان حال الشك فيها
اعلم : أن العلم دائما يكون جزء الموضوع (٢) في الأحكام العقلية ، لأن العقل لا يحكم إلا بعد إحراز مناطاته ، وإدراك موضوعات أحكامه إدراكا كاملا ، ومن ثم كان الشك في الموضوع يستدعي ارتفاع حكم العقل جزما لانتفاء الموضوع المركب بانتفاء جزئه ، وحينئذ ففي ظرف الشك لا حاجة للرجوع للأصول من الاستصحاب أو البراءة ، أو الاشتغال ، لأن موردها الشك ، ولا شك في الفرض وسيتضح ذلك : جليا في أواخر هذه القاعدة ، نعم ، لو كان المطلوب الحكم بالعدم كان استصحاب عدم الموضوع له فائدة. أما مجرد عدم الحكم بالثبوت ، فلا يحتاج إلى ذلك ، وأما الأحكام الشرعية ،
__________________
(١) حررت هذه القاعدة موضحة في القاعدة رقم ٥١ ص ١٨١.
(٢) في كون العلم جزء منه ، أو قيدا له ، تردد. والمتعين الثاني ، لأنه من اللحاظات الطارئة ، ويحتمل كونه جزءا لأن الموضوعات الاعتبارية خاضعة لنظر المعتبر ، وعلى أي حال فلا تختلف الثمرة لأن الشروط بنظر العقل شطور ، والشطور شروط ، والكل ينتفي بانتفاء جزئه ، والمشروط عدم عند عدم شرطه.