فإن أخذ العلم فيها جزء الموضوع كان حالها حال الأحكام العقلية. وأما إذا كان موضوعها هو الواقعة المرسلة الشاملة بنتيجة الإطلاق لصورتي إحراز الموضوع والشك فيه ، فإن أحرز الموضوع فلا إشكال في تنجز الحكم ، وأما إذا شك فيه ـ كما في الشبهات الموضوعية البدوية ، أعني غير المقرونة بالعلم الإجمالي المنجز ـ فإن مقتضى القاعدة الأولية فيها هو وجوب الاحتياط بنظر العقل ، فإن المقتضى لذلك موجود ، والمانع مفقود ، وذلك لأن المحكم في شئون الامتثال هو العقل ، وبعد إحراز الحكم ـ أعني الكبرى ـ لا يكون الشك في الموضوع ـ أعني الصغرى ـ معذرا بنظره.
وغاية الأمر أنه لا يحيل جعل الأحكام الظاهرية في الشبهات البدوية لما حررناه في منجزية العلم الإجمالي ، ولو لا جعل الأحكام الظاهرية لالتزمنا بالاحتياط فإذا علمنا بحرمة الخمر وحلية الخل ، وشككنا في مائع أنه خمر أو خل ، وجب الاحتياط بحكم العقل لو لا قاعدة الحل وأصالة البراءة.
وليس معنى وجوب الاحتياط أن العقل يحكم بذلك مستقلا ليلزم من ترخيص الشارع المناقضة أو احتمال المناقضة ، بل معناه أنه لا يرى طريقا للأمن إلا بالاحتياط ، فهو يستقل بمطالبة العبد بتحصيل الأمان لنفسه ، ولا يدرك أكثر من ذلك. وقد أوضحنا ذلك عند بيان الوجه في منجزية العلم الإجمالي وعليته التامة (١)
وإذا عرفت هذا ، عرفت أننا إذا شككنا في موضوع الحكم العقلي أو الشرعي الذي أخذ العلم فيه جزءا فإنّا نجزم بانتفاء الحكم لانتفاء موضوعه قطعا ، لأن المركب ينتفي بانتفاء جزئه ، والمشروط عدم عند عدم شرطه ، وقد فرض أن العلم جزء وهو غير حاصل بالوجدان لفرض كوننا شاكين ، وإذا فرض حصول العلم بانتفاء الحكم بسبب عدم إحراز الموضوع ، فلا معنى للأصول لأن موردها الشك.
__________________
(١) لاحظ ق ٥٢ من هذا الكتاب ص ٢١٣.