طبيعة الأفعال إذا كان لها حكم شرعي ، وكان ذلك الحكم ضرريا تارة ، وغير ضرري أخرى ، لا حكم لها في حال كونها ضررية. وبهذا تتضح حكومة الحديث على الأدلة الأولية ، لأنه بمنزلة الشارح والمفسر لها ..
الجهة الخامسة : في فقه الروايات من حيث انطباقها على مواردها وعدمه.
نقول : أما تطبيق الكبرى على الصغرى في قضية (سمرة) ، أعني تطبيق المورد على قاعدة (لا ضرر) فتوضيحه أن يقال : لا ريب أن الأنصاري مسلط على بيته وما يتعلق به مما هو مملوك له. ولا ريب أنه يحرم على (سمرة) وغيره مزاحمته في سلطنته .. وأما (سمرة) فإنه مسلط على عذقه وما يتعلق فيه مما هو مملوك له ، ويحرم على الأنصاري وغيره مزاحمته في سلطنته. وحينئذ فربما يقال بدوا : إن أمر النبي (ص) بقلع العذق يخالف قاعدة السلطنة ، لأن (سمرة) مسلط على عذقه ، ويخالف قاعدة (لا ضرر) نفسها ، لأن رفع الضرر عن الأنصاري بإضرار (سمرة) بقلع عذقه خلاف المنة ، لأن رفع الضرر الذي يتولد منه ضرر خلاف المنة ، وحديث نفي الضرر حديث امتناني.
وأيضا : فإنه يمكن رفع ضرر الأنصاري بمنع سمرة من الدخول بغير إذن ، ولا يتوقف رفع الضرر عنه على قلع العذق الذي هو أعظم ضررا ، وأعظم مزاحمة لسمرة في سلطنته.
إذا عرفت هذا فاعلم : أنه يحتمل أن يكون ل (سمرة) حق المرور ، وحق إبقاء العذق في ملك الأنصاري. فيكون مسلطا على ذلك ، وتحرم مزاحمته في حقوقه ، ويكون دخوله على الأنصاري من مصاديق سلطنته حينئذ. ولكن دخوله بدون استئذان فيه ضرر على الأنصاري ، فتكون سلطنته حينئذ سلطنة ضررية منفية بحديث نفي الضرر ، بناء على حكومته على قاعدة السلطنة كما هو الحق. ونتيجة ذلك أنه لا سلطنة له على الدخول بدون الاستئذان.
وقد قال له النبي (ص) : إذا أردت الدخول فاستأذن ، فأبى