٥٨ ـ قاعدة
في بيان أنواع المتزاحمات وبيان اختلافها بالآثار
اعلم أن التزاحم على أنواع :
منها : ما يكون تزاحمه عقليا من جميع الجهات ، وهذا لا مرجح له إلا الأهمية أو احتمالها ، ومع انتفائها يتخير ، لأن ترجيح أحدهما مع انتفاء أهميته أو انتفاء احتمالها يكون ترجيحا بلا مرجح ، ومع عدم المرجح لا ترجح ، والترجيح بلا ترجح محال ، لأنه بلا مقتضى له ، فلا مقتضى للبعث إليه بخصوصه بالضرورة
ومنها : ما هو شرعي ناشئ من إطلاق الأدلة ، كما في الحج والنذر ، فلو نذر زيارة قبر الحسين (ع) في يوم عرفة في سنة معينة ، ثم اتفق أنه استطاع الحج في تلك السنة ، فإنه لا يتمكن من الجمع بينهما ، وحينئذ ، يدور الأمر بين تقييد اطلاق دليل وجوب الحج بدليل وجوب الوفاء بالنذر وبين العكس ، ويكون الدليل المقيد هو المقدم.
وفي مثله ، يلاحظ منشأ التزاحم ، وبما أن المنشأ هو ظهور دلالة الأدلة ، في السببية ، لأن الاستطاعة عند حصولها سبب شرعي لوجوب الحج ، بمقتضى إطلاق الدليل ، وإن زاحمها النذر ، ووجوب الوفاء بالنذر سبب في وجوب المنذور ، وإن زاحمه الحج ، ولذا يكون المرجح في ترجيح أحد الظهورين على الآخر هو أهل العرف ، وأهل العرف يرون السبب الأسبق حدوثا هو المؤثر دون غيره وإن كان غيره أهم منه أو محتمل الأهمية.
فالتزاحم في النوع الأول ناشئ عن السببية الواقعية ، أعني عن ملاكات الأحكام ، فيكون الأقوى ملاكا ومصلحة هو المؤثر ، وفي الثاني ناشئ عن السببية الظاهرية المستفادة من دلالة الدليل ، والدلالة وشئونها أمر يرجع فيه إلى العرف.
ألا ترى ، أن العرف لو أحرزوا تقديم إطلاق أحد الدليلين لم يتوقفوا في