وقد يتوهم كونها من موارد الاستصحاب الشرعي ، ولكنه توهم فاسد ، لأنه من أوضح الأصول المثبتة.
ويمكن أن يقال في المسألة الرابعة أن الشك مقتضى للبناء على الأكثر والاتيان بصلاة الاحتياط ، وأن كثرته مانعة ، فيكون تقديم أدلة حكم كثير الشك على أدلة الشكوك الصحيحة من باب قاعدة المقتضي والمانع ، لأن المقتضي لا يؤثر عند اقترانه بالمانع ، وهذا واضح بالنسبة للشكوك في عدد الركعات ، بل وبالنسبة للشك في المحل ، فإن مقتضى قاعدة الاشتغال هو عدم الاجتزاء بالمشكوك ، فيكون الشك مقتضيا للفساد ، ويكون مقتضاه هو الاتيان بالمشكوك في المحل ، وتكون كثرة الشك مانعة من تأثير ذلك المقتضي.
والتحقيق : أنه لا طريق لنا لإحراز عمل العرف بقاعدة المقتضي والمانع في باب الظهورات ، لأنها أمور عقلية لا يتنبه إليها إلا الخاصة ، فكيف يمكن أن يقال أن طريقة العقلاء مستمرة على العمل بها.
إذا عرفت هذا فاعلم أن العرف يفهم من قوله (ع) إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء عدم الانفعال في ظرف تحقق الكرية ، وذلك منتف في الفرض ، وحينئذ يجب التمسك بعموم أو إطلاق أدلة الانفعال ، والاقتصار في تخصيصها على الملاقاة بعد تحقق الكرية.
إن قلت : قاعدة الانفعال متصيدة من مجموع النصوص الكثيرة الواردة في الموارد الجزئية ، وهي لا عموم فيها ولا إطلاق لها ، قلت هذا مسلم في الجملة ، ولكن المستفاد من مجموع تلك الأدلة أقوى من الإطلاق والعموم ، مضافا إلى أن إطلاق مفاهيم أدلة الكر كافية في إثبات هذا الإطلاق ، وحينئذ يكون المستفاد منها أنه إذا لم يبلغ الماء قدر كر ، ولاقاه المنجس انفعل ، وهذا ماء لاقاه النجس في حال عدم بلوغه كرا ، والانصاف أن منطوق أدلة الكر ظاهر في عدم الانفعال بعد تحقق الكرية ، وحيث أن القضية قضية استظهار ، والاستظهار ذوقي لا برهاني ، لا يحسن فيه إطالة الكلام بل يكفي فيه ما ذكرناه.