تقديمه ، وبذلك يرتفع التزاحم بالضرورة ، لفرض قصور الدليل الثاني عن شمول المورد.
وينبغي أن يعلم أن هذا الباب غير باب تعارض العامين من وجه ، لأنه لا سببية فيهما ولا مسببية ، فقول المولى أكرم العلماء ، ولا تكرم الشعراء ليس فيه إشارة إلى سببية العلم للإكرام ولا إلى سببية الشعر لعدمه ، ولو كان ثمة سببية لكان من النوع الثاني من أنواع التزاحم.
هذا مضافا إلى أن المقتضي غير محرز في كلا العامين ، فالتوقف في مورد التعارض لا بد منه ، بخلاف النوع الثاني من أنواع التزاحم ، فإن المقتضي فيه معلوم ولكنه ابتلى بمزاحم لسبب خارجي نشأ عن فعل المكلف ، فشككنا في تأثيره ، وهذا هو الفرق الفارق بين هذا النوع وبين العامين من وجه ، لأن الإرادة الجدية في نفس المولى في باب العامين من وجه ، تكون متعلقة بأحدهما لا غير ، والإرادة الجدية في باب النذر والحج متعلقة بهما ، ولكن عجز المكلف عن الجمع بينهما أوجب التزاحم ، وهو أمر خارج عن عالم الملاكات ، وهذا الأمر حصل بواسطة فعل المكلف ، لأنه هو الذي أوقع نفسه في النذر وهو لا يرتبط بإرادة المولى.
ومنها : تزاحم المستحبات ، ويجيء فيه النوعان الآنفان تماما ، ولكن تزاحم الواجبات يختلف كثيرا عن تزاحم المستحبات ، فإن تقديم أحد المستحبين لأهميته أو لاحتمال أهميته لا يرفع فعلية استحباب الآخر ، ولا تنجزه لكونه مقدورا له ، بخلاف الواجبين ، فإن أهمية أحدهما أو احتمالها يمنع من فعلية المهم وتنجزه بلا ريب ، لأنه بعد استقلال العقل بتعين الأهم ، يكون المهم غير مقدور بسبب منع العقل عن الإتيان به وترك الأهم. وبالجملة ، تنجزهما معا مستحيل بالضرورة ، وتنجز المهم خلاف حكم العقل. وقد أشار لهذا شيخنا المرتضى الانصاري (ره) في رسالة له في الواسعة والمضايقة ، وهو حسن. إذا عرفت هذا عرفت أن البحث في استحالة الترتيب وإمكانه يبتدئ من هنا.