فإن الفحص إذا استوجب العلم بحكمها ، أو العلم بأنه لا حكم لها فيما بين أيدينا من الأدلة على الأقل ، خرجت عن دائرة هذا العلم الإجمالي ، ولم تكن من الأطراف المشتبهة ، وكان العلم الإجمالي بالنسبة لها منحلا حقيقة ، ولم تكن حينئذ موردا للأصول. ولكن الفحص الموجب للعلم بذلك متعذر بالضرورة ، والمقدور منه الفحص الموجب لليأس من العثور على دليل يتعلق بها فيما بين أيدينا وحينئذ تجري الأصول بلا معارض ، والسبب في ذلك ، أن العلم الإجمالي المذكور ينجز وجوب الفحص المقدور لا غير ، وبعد اليأس يكون قد قام بما وجب عليه ، وحينئذ يرى الفقيه نفسه عاجزا عما زاد عن ذلك ، ومع اعتقاده بعجز نفسه عنه ، يكون تكليفه به تكليفا بغير المقدر.
فائدة يتضح بها ما حاولناه.
اعلم أن اليأس ضرب من ضروب العجز بنظر العقلاء ، ولذا لا يجد اليائس في نفسه بمقتضى طبيعته البشرية ، باعثا على طلب كل أمر ميئوس منه عادة ، وإن كان محبوبا له ، ويعده العقلاء إذا طلبه سفيها ومضيعا للوقت.
وتوهم انحلال العلم الإجمالي بعد الفحص عن جملة من الوقائع ، وبعد العلم بحكمها وجودا وعدما ، من جهة أنا نحتمل انطباق المقدار المعلوم تفصيلا بالنحو الآنف بعد الفحص على ما كان معلوما بالعلم الإجمالي قبله ، توهم فاسد. فإنه وإن كان له وجه في نفسه ، إلا أنه خارج عن مورد التوهم ، لأن هذا لا يتصور عند الشروع في الفحص عن أول واقعة ، ثم عن أخرى ، ثم عن ثالثة ، وهكذا .. وإنما يتصور بعد الفحص عن جملة كثيرة من الوقائع ، وحصول العلم بحكمها ، أو العلم بعدم وجود حكم لها فيما بين أيدينا من النصوص ، وبعد حصول احتمال الانطباق المذكور. وكل ذلك غير حاصل عند الشروع في الفحص.
ومع ذلك ، فإن دعوى انحلال العلم الإجمالي المذكور بعد الفحص عن جملة من الوقائع ، التي تحتمل أن تكون هي المعلومة بالإجمال ممنوعة ، بل يكون حاله حال الشبهة المحصورة إذا تنجز العلم الإجمالي فيها ، وعلمنا بحكم بعض