ولا ريب أن الإحاطة بأطراف المحتملات بالنسبة لجميع الأحكام المشتبهة متعذر لعدم تناهي تلك المحتملات بسبب اشتباه جميع الأحكام حسب الفرض ، ولو فرض أنه أحاط بها ، فلا ريب أن وقت المكلف لا يتسع للإتيان بكل ما يحتمل وجوب الإتيان به.
وبأن المحكم في شئون الامتثال هو العقل ، وهو لا يلزم المكلف بالمكلف به ، إلا بعد وصول التكليف لمرتبتي الفعلية والتنجز ، والتكليف لا يكون فعليا إلا بعد العلم به ، ولا يكون منجزا إلا بعد كونه مقدورا ، والعلم الإجمالي المذكور ليس فيه قليل ولا كثير من البيان الموجب للفعلية ، لفرض الجهل بحكم جميع الأطراف ، فكيف يكون فعليا ، والاحتياط متعذر ، فكيف يكون منجزا.
إذا عرفت هذا كله ، عرفت الفرق بين العلمين ، أعني العلم الإجمالي المنجز ، كما في الشبهة المحصورة الجامعة لشرائط التنجز ، وبين العلم الإجمالي غير المنجز كما في غيرها. وعرفت أن الأول يدعو للامتثال كالعلم التفصيلي ، وأن الثاني لا داعوية فيه لذلك ، وعرفت أيضا أن جريان الأصول في طرف من أطراف الأول ، يستدعي احتمال المناقضة لحكم العقل المنتهى إلى المناقضة المستحيلة بخلاف الثاني.
وعرفت الفرق بين الاحتمالين ، أعني احتمال مناقضة العقل لنفسه ، وأنه غير معقول ، واحتمال مناقضة الشارع لما حكم به ، كما هو الحال بالنسبة للأصول الجارية في الشبهات البدوية ، وأنه معقول وواقع بوجه من الوجوه.
وعرفت بأن المقصود بالاحتمال المنجز هو الاحتمال المقرون بعلم إجمالي جامع لشروط التنجيز ، وان المقصود بالاحتمال غير المنجز هو الاحتمال المقرون بعلم إجمالي غير جامع لشروط التنجيز.
وعرفت أن العلم الإجمالي بأصل التكليف ، ينجز وجوب الفحص وطلب العلم لا غير ، وينحل بالنسبة للواقعة المفحوص عنها بعد حصول الفحص ، وأنه يبقى بحاله بالنسبة لما عداها ، وأنه يجب الفحص عنه.
ويكون حال هذا العلم الإجمالي ، حال من علم بوجوب أمر مردد بين