حالها من حيث إنها متعدّية أم لا.
فهذا الكلام غير صحيح من دون حاجة لأن نلتزم في مقام إبطاله إلى أن هناك معنيين مختلفين ، تارة بلحاظ هذا المعنى وأخرى بلحاظ ذاك المعنى ، بل ينحلّ بنفس ما بيّناه ، لأن «أضرّ» فيها نسبة تامّة متعدية بحسب طبيعتها ، إلّا أننا نذكر مفعولها تارة ولا نذكره أخرى ، بل نجعله قيداً لمدلول المادة في المرتبة السابقة ، وهو معنى تعدية الحرف. فحينما نقول : «أضرّ بزيد» فليس معناه أن هذه النسبة خرجت عن كونها نسبة لازمة إلى كونها متعدية ، ليقال إنّ تعدّي النسبة ولزومها أمر اعتباري تعبّدي ، بل هي متعدّية في كلتا الحالتين ، غاية الأمر أنا في إحداهما ذكرناها مع كلا الطرفين ، وفي الثانية استغنينا عن ذكر طرفها بجعله قيداً لمدلول المادة. إذن معنى أضرّه غير معنى أضرّ به ، فإن الضمير في الأوّل هو المفعول وطرف النسبة المتعدى إليه حقيقة ، بينما الضمير في أضرّ به قيد للمادة الصادرة من الفاعل ، وهذه صورة ذهنية أخرى ، وإن كانت من حيث النتيجة مغنية عن ذكر المفعول مرّة أخرى.
الثالث : لو تنزّلنا عن الاعتراض الثاني وقبلنا أن التعدّي في «جلس إليه وجالسه» بنحوٍ واحد ، حينئذ نقول : إننا نجد أن التعدية بالحرف تحصل من خلال نسب متباينة مختلفة ، فمثلاً : «جلس» يتعدّى إلى شخص آخر بنسبةٍ مدلول عليها بحرف «إلى» فنقول «جلس إليه» فيُعوَّض عنه ب «جالسة» ، وأخرى نقول : «سار معه» فيتعدّى بنسبةٍ مدلول عليها بحرف «مع» ويعوَّض عنه «سايره» ، وثالثة تكون النسبة المعوّض عنها «له» مثل «كشف له» فيعوَّض عنه «كاشفة» ، وهكذا غيرها. ففي كل واحد منها يُنتزع عنوان التعدية ، و «فاعَلَ» تأتي في تلك النسب فتعوّض عنها.