الثاني : الجمع بين عناية نفي الحكم بلسان نفي الموضوع بلحاظ نكتته الأولى التي هي لنفي إطلاق الحكم المصطلح عليها بالحكومة ، وبين النحو الثالث من الأنحاء الثلاثة المتقدّمة ، وهو نفي الحكم بلسان نفي وجود متعلّقه خارجاً. والجامع بين هاتين العنايتين هو أن المنظور إليه فيهما معاً نفي الوجود الخارجي للضرر ، لا الوجود التشريعي أو الاستساغي.
توضيحه : أن «لا ضرر» أعمّ من الوضوء الضرري والعقد الغبني ، لكن في باب العقد نعمل النكتة الأولى فينتج لا عقد ضرري ، بمعنى أن وجوب الوفاء لازم لا ينفكّ عن العقد ، وحيث إنه قد انفكّ هنا ، فكأنه لا عقد ، وفي باب لا وضوء ضرري نعمل عناية أن عدم الوضوء خارجاً كأنه من لوازم تحريم الوضوء شرعاً.
وهذا الوجه أيضاً لا يمكن المساعدة عليه ، لأنه وإن كان معقولاً ثبوتاً إلّا أنه لا يفي به الدليل إثباتاً ؛ ذلك لأن كلّاً من العقد الغبني والوضوء الضرري ، بما أنه استعمال كنائي ، يحتاج إلى إعمال عناية حتى يمكن استفادة المراد الجدي منه. ومجرد إجراء الإطلاق بمقدّمات الحكمة في كلمة «الضرر» لأجل تعميمه للوضوء الضرري والعقد الغبني لا يكفي لاقتناص المراد الجدي ؛ فإن الإطلاق إنما يفي بذلك ، لو كان الاستعمال حقيقيّا ولم يكن متوقّفاً على بذل عناية ، أما لو فرض أن اقتناص المراد الجدي الذي هو بطلان العقد في الأول وعدم وجوب الوضوء أو حرمته في الثاني يتوقف على بذل عناية زائدة على إطلاق المراد الاستعمالي ، وتلك العناية تحتاج إلى قرينة لا محالة ، فلا يكون الدليل وافياً للتلفيق ما بين النكتتين بحسب مقام الإثبات ، لأن الإطلاق لا يقتضي الجمع بين العنايات ، وإلّا للزم ما يشبه استعمال اللفظ في معنيين ،