لا معنى لتطبيقها إلّا لأجل إثبات الحكم بها (١). فإنه عقد التنبيه الأول في الدراسات لإثبات أن قاعدة «لا ضرر» يستنبط منها حرمة الضرر ، وذكر أننا وإن كنّا لا نوافق شيخ الشريعة الأصفهاني على أن مفاد كلمة «لا» هنا هو النهي عن الضرر ، بل مفادها هو نفي الحكم المؤدي إلى الضرر ، لكن مع هذا يستفاد منها حرمة الضرر ، وذلك لا من باب استعمال اللفظ في أكثر من معنى وهو النفي والنهي معاً ، بل بلحاظ أن النهي أحد مستلزمات النفي ، لأن ترخيص الشارع لشخص في أن يضرّ شخصاً آخر حكم ضرري ، فيرتفع بالقاعدة لأنها تنفي كل حكم ضرري.
ومن الواضح أن هذا التطبيق لا يتم إلّا إذا قلنا إن القاعدة كما يستنبط منها رفع حكم ضرري ، كذلك يستكشف منها جعل حكم فيما إذا كان عدم جعله ضرريّاً. إذن لكي يصح جعل حرمة الضرر في المقام استناداً إلى القاعدة ، لا بد من الالتزام بشمولها للأحكام العدمية أيضاً كالوجودية.
من هنا وقع الكلام بين الأعلام لتنقيح هذا البحث الكبروي لمعرفة حدود القاعدة من هذه الناحية. والصحيح أن القاعدة كما أنها تجري لرفع الأحكام الضررية ، تجري أيضاً لإثبات حكم يلزم من عدم جعله ضرر.
إلّا أن مدرسة المحقّق النائيني (قدِّس سره) لم تقبل ذلك واستندت في منعها إلى أمرين :
الأول : دعوى قصور المقتضي وعدم الإطلاق في القاعدة.
الثاني : على فرض تمامية الإطلاق وجود مانع من الالتزام به.
__________________
(١) دراسات في علم الأصول ، ج ٣ ، ص ٥٠٨.