أن النفي على نحوين :
النفي البسيط ؛ من قبيل أن يقول المولى : «لا يصدر منّي حكم ضرري» فإن هذا البيان لا يتوقف على الفراغ عن ثبوت أحكام أولية للشارع في الرتبة السابقة ، وعليه فلا يمكن إثبات النظر إلى مداليل تلك الأحكام.
النفي التركيبي ، كما لو قال المولى : «الأحكام التي جعلتها أو أجعلها ليست ضررية» فإن ذلك يتوقّف على الفراغ من ثبوت أحكام في الرتبة السابقة ، وأن هذا النفي ناظر إليها.
ولكي يثبت أن القاعدة حاكمة على أدلّة الأحكام الأوّلية ، لا بدّ من إثبات أنها ناظرة إليها ، ولا يمكن إثبات ذلك إلّا إذا استظهر أن النفي المدلول عليه في القاعدة ، إنما هو بنحو النفي التركيبي لا البسيط. والنفي التركيبي من قبيل قوله : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(١) فبقرينة فقرة (فِي الدِّينِ) نستكشف وجود أحكام ثابتة في المرتبة السابقة ، ودليل نفي الحرج إنّما جاء ليرفع إطلاقاتها لحالة الحرج. وفي المقام إذا كانت قاعدة «لا ضرر» مذيلة بفقرة «في الإسلام» فلا إشكال في كون النفي فيها تركيبي أيضاً ، لكن تقدّم في الفصل الأوّل أن هذا الذيل لم يثبت.
من هنا قد يشكك في استفادة النفي التركيبي من القاعدة ، لأنّ مجرّد الضرر لا يستلزم النظر إلى الأحكام الأوّلية. إذن لا بدّ من بذل عناية لإثبات نظر القاعدة إلى تلك الأحكام ، وهذا يمكن بيانه بأحد تقريبات :
__________________
(١) الحج : ٧٨.