يقال : إن هذه القاعدة تنفي كثيراً من الأحكام الفقهية الثابتة كالقصاص والديات والضرائب المالية وبعض العبادات كالحج ونحوها ، فيلزم تخصيص هذه القاعدة في الموارد المذكورة التي هي أضعاف ما يبقى فيها ، ولما كان تخصيص العام في أكثر مدلوله غير جائز ، فيتوجّه الوهن إلى العام.
إلا أن الاقتصار على مثل هذا الإطلاق غير صحيح ، لأنه حينما يقال : «لا ضرر» من ناحية الشريعة ، فهذه الإضافة المستفادة من تلك القرينة اللبية والحالية التي تقدّم الكلام عنها ، تعطي نوعاً من التخصيص والتقييد لمفاد هذه الجملة بحسب مناسبات الحكم والموضوع. فإن المركوز في الأذهان العقلائية أن من المقوّمات الأصلية للشريعة اشتمالها على قواعد وأنظمة وتشريعات تحقّق العدالة الاجتماعية للناس. ولعل هذه هي المسئولية الأساسية التي أُلقيت على عاتق الشريعة الحقّة العادلة. ومن الواضح أن تحقيق ذلك لا يمكن إلّا من خلال مجموعة من التشريعات والقوانين الفردية والاجتماعية التي تحدّد للناس ما لهم من الحقوق وما عليهم من المسئوليات والالتزامات. ولا يمكن أن يقال إن مثل هذه التحديدات الصادرة من الشارع الأقدس ضررٌ على الناس ، لما فيه من المصالح الحقيقية في الدنيا والعقبى ، وإن لم تظهر لهم جميعاً بكامل تفاصيلها وآثارها ؛ والتاريخ والتجربة الإنسانية خير شاهد على ذلك. بل الضرر أن تخلو الشريعة التي تدّعي لنفسها ضمان سعادة الإنسان ، من تلك الأحكام التي تقتصّ من الجاني وتعاقب السارق وتشغل ذمّة من أتلف مال الغير وتأخذ الحقوق المالية كالزكاة والخمس من الأغنياء للفقراء ونحوها.
على هذا الأساس ، فالضرر الذي يكون مؤدّياً إلى تحقيق تلك المصالح الاجتماعية والفردية ، لا يكون منفياً بمثل هذه العبارة ، بل المنفيّ بها هو ذلك