العصر في وقت العصر. (١)
أقول : إنّ أنس بن مالك نقل فعل النبي تارة على وجه الإطلاق ، وأخرى على وجه التقييد (٢) ومقتضى القاعدة هو حمل المطلق على المقيد وتقييد الروايات المطلقة بما في المقيدة.
أضف إلى ذلك : أنّ الروايات الحاكية لفعل الرسول على وجه الإطلاق دليل لبّي لا لسان له ، وما كان هذا شأنه لا ينعقد فيه الإطلاق ، لأنّ الإطلاق شأن اللفظ ، وليس هناك للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لفظ بل صدر منه عمل ، نقله الراوي ولعلّ عمله كان مقارنا لما جدّ به السير ولم يذكره الراوي لعدم احتمال دخله في الحكم.
وعلى ضوء هذا لا يجمع إلاّ إذا جدّ به السير. ولعلّه إلى هذا يشير ابن رشد : والجمع إنّما نقل فعلا فقط. (٣)
ولكن الظاهر انّ القيد ( الجدّ في السير والعجلة فيه ) من قبيل الدواعي إلى الجمع ، وتخلّف الداعي في مورد لا يكون سببا لانتفاء الحكم ، فإنّ الإنسان لا يترك الأفضل ( التفريق ) إلاّ إذا كان هناك داع إليه ، فلأجله اختار الجمع وترك التفريق ، وقد قرر في محلّه انّ انتفاء الدواعي والحكم لا تعد من قيود الحكم بل يكون ثابتا مع انتفائهما.
وأمّا المقام الثاني أي عدم اختصاصه بجمع التأخير وعمومه بجمع التقدّم فيكفي في ذلك ما أخرجه أبو داود والترمذي عن معاذ بن جبل وما أخرجه أحمد عن ابن عباس فلاحظ الرقم الثالث والرابع من الأحاديث الماضية.
__________________
١. نيل الأوطار : ٣ / ٢١٣.
٢ و ٣. بداية المجتهد : ١ / ١٧٣ ، وفي طبعه أخرى محقّقة : ٢ / ٣٧٤.