الوضوء هي المسح لا الغسل ، فلو كانت الروايات ناظرة إلى العصر الأوّل من البعثة ، فهل يمكن أن يغفل عنها الصحابة الأجلاّء والتابعون لهم بإحسان؟ وقد شارك في الروايات ثلّة من الصحابة والتابعين.
التأمّل الثالث : إنّ أحاديث المسح ، انّما هي وضوء من لم يحدث ، وقد اعتمد عليه ابن كثير في تفسيره. (١) وسار على ضوئه المتأخرون ، كالآلوسي في « روح المعاني ». (٢) وأخيرا الشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري (٣).
يلاحظ عليه : النقاط التالية :
١. أنّ لفيفا من الروايات الدالّة على المسح وردت في وضوء المحدث ، لا في الوضوء بعد الوضوء ، فكيف يمكن حملها على وضوء من لم يحدث؟ كرواية النزال ابن سبرة ، حيث يحكي وضوء عليّ بعد البول.
٢. أنّ أكثر هذه الروايات الدالّة على المسح ، تحكي وضوء رسول الله ، والمتبادر منه هو وضوؤه بعد الحدث ، لا قبله. فحمل هذه الروايات الكثيرة ، على الوضوء بعد الوضوء ، تفسير بالرأي ، حفظا للمذهب وانتصارا له.
٣. لو سلّمنا أنّ ما ورد من الروايات في المسح على الرجلين ، بأنّه وضوء من لم يحدث ، لكنّها لا تشير إلى أنّ المسح على الرجلين فقط وضوء من لم يحدث ، وإنّما تشير إلى أنّ الاكتفاء بكفّ من الماء في غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين ، وضوء من لم يحدث.
__________________
١. تفسير القرآن العظيم : ٢ / ٢٧.
٢. روح المعاني : ٦ / ٧٧.
٣. مجلة الفيصل ، العدد : ٢٣٥ ص ٤٨.