وأمّا ذكرها في مباحث الألفاظ ـ كما صنعه صاحب المعالم (١) وتبعه في ذلك جماعة (٢) ـ فليس على ما ينبغي ؛ إذ غاية ما يمكن أن يقال فيه هو : أنّ الوجوب لمّا كان من مداليل الألفاظ صحّ ذكرها في مباحثها.
وذلك ظاهر الفساد ، إذ فيه ـ بعد الغضّ عن أنّ الوجوب كما قد يكون الدليل عليه هو اللفظ فكذلك قد يكشف عنه العقل أو الإجماع أو الضرورة ونحوها ممّا ليس بلفظ ، والنزاع المذكور كما يتأتّى فيما يدلّ عليه اللفظ يجري في غيره أيضا من غير اختصاص بأحدهما ، كما أشار إليه المدقّق الشيرواني (٣) ـ أنّه لا يعقل أن يكون البحث في المقام بحثا لغويّا ونزاعا لفظيّا.
وتحقيقه : أنّ المتعارف في الأبحاث اللغويّة هو تسليم المتخاصمين لوجود المعنى المتنازع في وضع اللفظ له وعدمه ، وإنّما التشاجر بينهم في ثبوت العلقة الجعليّة الوضعيّة بين اللفظ والمعنى على وجه يصحّ أن يكون اللفظ مرآة وكاشفا عن ذلك المعنى الثابت في محلّ ثبوته.
وذلك كما في نزاعهم في أنّ الأمر للوجوب أو لا؟ فإنّ المعقول من هذا النزاع هو أنّ هيئة الأمر على نحو وضع الهيئات هل هي موضوعة لمعنى يلزمه الوجوب أو لا؟ مع اعتراف المتخاصمين بتحقّق هذا المعنى في الواقع وتسليمهما لاختلاف مراتب الطلب والإرادة ، فتارة يتأكّد الطلب فيصير
__________________
(١) المعالم : ٦٠.
(٢) كالمحقّق القمّي في القوانين ١ : ٩٩ ، وصاحب الفصول في الفصول : ٨٢ ، والفاضل النراقي في المناهج : ٤٨.
(٣) في حاشيته على المعالم المطبوعة مع المعالم ، انظر المعالم ( الطبعة الحجريّة ) : ٦٠ ، ذيل قول المصنّف : لنا.