هداية
المقدّمة لغة : اسم فاعل من « قدّم » ، أو اسم مفعول منه ، فعلى الأوّل لا بدّ من تمحّل ، إمّا بالقول بأنّها من كثرة ارتباطها إنّما قدّمت نفسها فيكون « قدّم » ـ على ما هو المعهود من استعماله ـ متعدّيا ، وإمّا بالقول بأنّ « قدّم » بمعنى « تقدّم » فيكون التفعيل للتكثير ، كما في قوله تعالى ( وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ )(١) وقولهم : « موّتت الإبل » وقولهم : « فرّح » بمعنى « تفرّح ». وعلى الثاني فلا إشكال ؛ لأنّها مأخوذة من مقدّمة الجيش ، وهي على الظاهر طائفة من الجيش تقدّم في المسير ليكون عيونا لهم من الأعداء ، فيكون التفعيل للتعدية ، لأنّهم قدّموهم على أنفسهم.
ومن هنا يظهر : أنّ التاء فيها للتأنيث من حيث اعتمادها على موصوف مؤنّث ، كما في قولهم : « باقية » و « سارية » و « باغية » و « طاغية » ، لاعتمادها على « النفس » المحذوفة لفظا. وليست للنقل ـ كما توهّم ـ لعدم ثبوت النقل أوّلا ، وعدم ثبوتها ثانيا. أمّا الأوّل : فلأنّ المنساق منها عرفا واصطلاحا وإن كان مختلفا ، فإنّ المراد منها اصطلاحا أخصّ ممّا هو المراد منها عرفا ؛ إذ لا يلاحظ الارتباط بين المقدّم والمؤخّر في العرف ، وفي الاصطلاح لا بدّ من ملاحظة الارتباط والتوقّف بينهما ، فوجود زيد وإن كان سابقا على وجود عمرو ، لا يكون مقدّمة لوجود عمرو اصطلاحا إذا لم يتوقّف وجوده عليه ، ويكون مقدّما عليه لغة وعرفا ، إلاّ أنّ مجرّد الاختلاف لا يقضى بالنقل. وأمّا الثاني : فلما قرّر في محلّه.
__________________
(١) يوسف : ٢٣.