ويظهر من بعضهم ـ تقريبا للمطلب المذكور ـ تمثيل في المقام ، وهو أنّه لا يمتنع عند العقل أن يقول المولى الحكيم لعبده : « احرّم عليك الكون في دار زيد ، ولكن لو عصيتني وكنت فيها فيجب عليك الكون في زاوية خاصة منها » فالعبد حال كونه في تلك الزاوية منهيّ عن الكون فيه مطلقا ومأمور به بشرط الكون فيها.
أقول : فساده غير خفيّ ، إذ لا يعقل أن يكون الأمر متعلّقا بالكون الخاص على تقدير تعلّق النهي بمطلق الكون. وأمّا ما يرى من تجويز ذلك في بعض المراتب ، فذلك ممّا لا يجدي ، إذ الموارد التي لا يستقبح فيها ذلك إنّما هي فيما إذا كانت المراتب المنهيّ عنها مختلفة شدّة وضعفا بواسطة اختلاف المفسدة الموجودة فيها ، ألا ترى أنّ مراتب الضرر الواردة على الإنسان كلّها مكروهة له ، ومع ذلك فلو خيّرنا بين الأقلّ والأكثر فالمختار هو الأقلّ ، وليس في ذلك محبوبيّة أبدا ، بل الأقلّ أيضا مكروه جدّا ، وحيث إنّه لا سبيل إلى دفعه يختار الأقلّ. وعلى قياسه اعتبار النفع.
ولا وجه لقياس ما نحن فيه بذلك ، إذ المقصود هو حصول الامتثال بالواجب الموسّع وموافقة الأمر وتحصيل المطلوب ، وامتناع هذه الامور ضروري فيما إذا كانت المقدمة منهيّة ، كما لا يخفى.
ولذلك سلك بعض أصحاب هذا القول مسلكا آخر في تعليقاته على المعالم ، ومحصله : أنّه زعم أنّ العصيان إنّما هو من مقدّمات الوجوب فلا يتّصف بالوجوب ، لما عرفت من أنّ المقدّمة الوجوبيّة غير واجبة ، فالأمر بالصلاة ليس منجّزا ما لم يحصل الشرط (١).
وهو وإن استقام كلامه بما زعمه من جهة عدم لزوم التكليف بما لا يطاق ولا اجتماع الأمر والنهي في المقدّمة ، إلاّ أنّه مع ذلك غير مستقيم ، إذ الكلام في جواز
__________________
(١) سينقل كلامه في الصفحة الآتية.