دليلهم المزبور في المقام وإن كان تماما في مثل « اترك الزنا » ؛ لأنّ الترك المنهيّ عنه في المقام أمر انتزع عن طلب الفعل ، فلا حاجة إلى إرجاعه إلى الكفّ بعد كون المراد من النهي عنه بعينه طلب فعل المأمور به.
وأمّا ما يقال : من أنّه لا ذمّ إلاّ على فعل فلا بدّ من كون المراد بقولنا : « لا تترك الصلاة » الحاصل من قوله : « صلّ » كفّ عن الكفّ وإلاّ لكان الذمّ على غير الفعل ، فهو أيضا أجنبيّ عن المقام ؛ لأنّه يكفي في تصحيح الذمّ هنا جعله مترتّبا على الكفّ عن الصلاة ، فلا حاجة إلى أن يفسّر « لا تترك الصلاة » بالكفّ عن الكفّ (١).
وكيف كان فلا وقع عند المتأمّل الفطن لكلام المستريح ، بل ولا أظنّ أحدا من القائلين بأنّ المطلوب من النهي هو الكفّ أن يقول بأن المراد بالترك المنهيّ عنه في المقام هو الكفّ ، فإنّ كلّ واحد من المقامين بمراحل عن الآخر. وهذا خلط فاحش وخبط بيّن ، فتفطّن.
وأمّا في كلام المعترض (٢) : فلأنّ منع مضادّة الكفّ مع الفعل بدعوى تغاير المحلّ ممنوع ، لأنّ الحقّ أنّ محلّ الكفّ والفعل كليهما هو النفس وإن كان أثرهما ظاهرا في الجوارح ، لأنّ الفعل عبارة عن بعث النفس للجوارح والكفّ عن إمساكها ، والإمساك والبعث كلاهما حالان وفعلان للنفس ، وأثرهما إنّما يظهر في الأعضاء والجوارح ، فإنّ النفس إذا بعثت الجوارح على العمل حصل منه حركات مخصوصة في الجارحة من الأعضاء المخصوصة ، وإذا أمسكتها حصل منه القبض والسكون فيها. فإن جعلت الفعل عبارة عن نفس حاصل الأثر فقابله بأثر الإمساك الذي هو
__________________
(١) في هامش ( ع ) زيادة ما يلي : وفيه : أنّه التزام بمقالة المستريح ، لأنّه لا يريد إلاّ جعل الضدّ العام الكف عن المأمور به.
(٢) عطف على قوله : « أمّا في كلام المستريح » في الصفحة السابقة.