لوجوبه فلا وجه لمنع المقدّميّة رأسا إلاّ فيما إذا توقّف ترك الحرام على فعل المباح ، ضرورة ثبوت هذا النحو من التوقّف الراجع إلى أنّ المكلّف لو لم يأت بالمباح لعصى بسوء اختياره بين ترك الحرام وفعل أحد المباحات في جميع المقامات ، فما وجه تكذيب الكعبي في دعوى التوقّف مطلقا؟
نعم ، يمكن أن يعرض الوجوب للمباح في بعض الأحيان ، كما إذا توقّف ترك الحرام مطلقا ـ ولو اضطرارا ـ على فعل من المباحات ، مثل ما إذا علم أنّه لو لم يتحوّل من مكانه إلى داره يشرب الخمر كرها ، وحينئذ يجب عليه التحوّل من باب المقدّمة. ولا يرد أنّ التحوّل لا بدّ أن يكون مسبوقا بالصارف عن الشرب في الزمان المستقبل أيضا لكونه من مقدّماته وترك الشرب إنّما يستند إلى هذا الصارف دون فعل الضدّ ؛ لأنّ المفروض صدور الفعل عنه إلجاء أو عدم كفاية الصارف الفعلي في تركه ، فضلا عن الصارف الموجود في الزمان المتقدّم ، لكن قد يتوقّف في بقاء التكليف في صورة الإلجاء. اللهم إلاّ أن يقال : إنّ هذا الإلجاء إنّما نشأ من اختياره لعلمه به وتمكّنه من دفعه ، فيكون كمن فوّت القدرة في الامتثال قبل مجيء زمان الفعل ، مثل ما سمعت في إراقة ماء الوضوء قبل الوقت وإعجاز النفس عن الحجّ قبل ذي حجّة في مبحث وجوب المقدّمة.
وأمّا الجواب عن الاستلزام (١) فغير خفيّ على من أحاط خبرا بما تلونا في إثبات جواز اختلاف المتلازمين في الحكم.
وأمّا الجواب عن العينيّة (٢) فأوضح من البيان ؛ إذ كلّ أحد يعلم أنّ الأمر بترك الزنا ليس عين الأمر بضدّه الوجودي ـ كالسفر مثلا ـ في شيء لا مفهوما ولا مصداقا. والعجب من الشهيد الثاني! حيث حكي عنه أنّ الأمر بالحركة عين النهي
__________________
(١ و ٢) عطف على قوله : « أمّا الأوّل » في الصفحة ٥٧٥.