بشرط النيّة كان بحكم الواجب المخيّر مع رجحان بعض أفراده (١). انتهى موضع الحاجة من كلامه.
أقول : إنّ وجوه فساده غير خفيّ على أحد.
أمّا أوّلا : فلأنّ نفي الإشكال عن تداخل الأغسال مع اتّحادها نوعا من الواجب والمندوب في غير محلّه ، لما قد عرفت من لزوم اجتماع الأمثال على تقديره ، وإن كان مدفوعا بما عرفت من تأكّد الطلب باجتماع المفاهيم المتعدّدة في فرد واحد ، كما دفعه عند التداخل القهري على ما زعمه.
وأمّا ثانيا : أنّ موارد التداخل القهري إنّما هو فيما إذا لم يكن الفعل قابلا للتكرار كما في مثال القتل ـ على مسامحة فيه أيضا ـ وفيما إذا قلنا بتداخل الأسباب بواسطة التقييد في إطلاق دليل السببيّة كما في الوضوء ، والأغسال ليس من قبيل الأوّل الذي هو قابل للتأكيد. وعلى الثاني لا وجه للتأكيد ، إذ ليس هناك أسباب متعدّدة ليحصل منها وجوبات تكون منشأ للتأكيد. ويظهر ذلك بملاحظة ما ذكرنا.
وأمّا ثالثا : فلأنّ دخول النيّة في المأمور به ولحوق الوجوب والندب للفعل المركّب مع النيّة قد فرغنا عن إبطاله فيما تقدّم. سلّمنا لكن الفعل لا يختلف حكمه باختلاف النيّة في المقام ، فإنّ قوله : « فمحلّ الوجوب الغسل مع نيّة رفع الجنابة ، ومحلّ الاستحباب الغسل مع نيّة كونه للجمعة ، ولا ريب في تباين المركّبين » يعطي بظاهره اتّحاد حقيقة الغسل مع قطع النظر عن النيّتين ، وإنّما الاختلاف بواسطة اختلاف نفس النيّتين ، كما يؤيّده قوله : « غاية ما في الباب أن يشتركا في جزء » ولا سبيل لنا إلى تعقل اتّصاف فعل واحد بالوجوب والندب بواسطة النيّة من غير أن يكون النيّة منشأ لاختلاف حقيقة الفعل ، كما في لطم اليتيم بنيّة التأديب والظلم ؛
__________________
(١) الفصول : ١٣٦.