فإنّ عدم المنع من النقيض بأحد الاعتبارين راجع إلى عدم اقتضاء ذلك الاعتبار للمنع ، وهو لا ينافي اقتضاء اعتبار آخر له (١).
ثمّ أوضحه بعبارة اخرى : بأنّه يصدق على الواجب لنفسه أنّه ليس بواجب لغيره ، وذلك يوجب أن لا يكون ممنوع الترك لغيره ، فإذا انضمّ إليه رجحانه حصل ماهيّة الاستحباب. ثمّ قاس على ذلك اجتماع الوجوب الغيري والاستحباب النفسي ، وأطال فيما يتعلّق به.
أقول : لا يخفى على المتأمّل أنّ اختلاف الوجوب والاستحباب بالغيريّة والنفسيّة ليس إلاّ اختلاف الشيء باعتبار الغايات التي يترتّب على الشيء ، فإنّ الواجب الغيري لا يمايز الواجب النفسي فيما هو مناط المطلوبيّة وما به يتحقّق ملاك صدق الوجوب ، إلاّ من حيث إنّ الوجه في وجوب أحدهما ليس خارجا عن حقيقة المطلوب ، والوجه في الآخر هو ذلك الغير ، ولعلّ ذلك ظاهر. فكما أنّه لا يعقل اجتماع الوجوب والاستحباب فيما إذا كانا نفسيّين لا يعقل اجتماعهما فيما إذا كان أحدهما نفسيّا والآخر غيريّا ، لأنّ مناط التضادّ متحقّق في حقيقة الطلبين ولا مدخل للغاية المترتّبة على المطلوب في ذلك. نعم ، يصحّ ما ذكره فيما إذا قلنا بأنّ الوجوب الغيري ليس من حقيقة الوجوب وإنّما هو من قبيل إسناد الشيء إلى غير ما هو له فإنّ المطلوب هو الغير. وليس كذلك ، فإنّ المتّصف بالوجوب هو الواجب الغيري حقيقة ، والغير إنّما يكون واسطة في ثبوت تلك الصفة له.
وأمّا ما زعمه : من أنّه لا حجر باعتبار الرجحان لأنّ انضمامه يوجب تأكّده ، فإن أراد أنّ الرجحان بعد انضمامه إلى الرجحان الوجوبي باق بحاله على وجه يشاهد في النفس رجحانان نظير وجودهما بالنسبة إلى أمرين ـ فبعد كونه بديهي البطلان وجدانا وبرهانا لاستلزامه اجتماع الأمثال ـ يردّه ما زعمه من التأكيد بعد
__________________
(١) انظر الفصول : ١٣٥.