الخفاف أنه أبله في غاية البله والغفلة ، وأنه هزأة عند أهل بلده وضحكة ! وذلك أن أهل سواد البلد يأخذون منه الخفاف التامة والمقطوعة بنسيئة ، ويعدونه بأثمانها عند حصول الغلة ، فإذا حصلت وحازوا ما لهم منها ما طلوه بدينه ولَوَوْهُ بحقه ، واعتلوا بأنواع الباطل عليه ، فإذا انقضى وقت السادر ودنا الشتاء واحتاجوا إلى الخفاف وما جرى مجراها ، وافوا بشراً هذا واعتذروا إليه وخدعوه وابتدروا يعدونه الوفاء ، ويؤكدون مواعيدهم بالأيمان الكاذبة والمعاهدة الباطلة ويضمنون له أداء الديون الماضية والمستأنفة ، فيحسن ظنه بهم وسكونه ويستسلم إليهم ، ويستأنف إعطاءهم من الخفاف وغيرها ما يريدونه ، فإذا حضرت الغلة أجروه على العادة ، وحملوه على ما تقدم من السنة ، ثم لا يزالون على هذه الوتيرة من أخذ سلعه في وقت حاجتهم ودفعه عن حقه في إبان غلاتهم ، فلا يتنبه من رقدته ولا يفيق من سكرته !
فأنفذ صاحب الخبر كتابه وأشار بتقديم الخفاف أمام القوم ، والإقبال عليه بالمخاطبة وتخصيصه بالمسألة ، ساكناً إلى أنه من ركاكته وفهاهته بما يضحك الحاضرين ، ويحسم الإشتغال بالبحث عن هذه القصة ويتخلص من هذه الثلاثة .
فلما ورد كتاب صاحب الخبر أعلم عبيد الله بن يحيى المتوكل به وبحضور القوم فأمر أن يجَلس ويستحضرهم ويخاطبهم فيما حكي عنهم ، وأمر فعلق بينه وبينهم سلبية ، ليقف على ما يجري ويسمعه ويشاهده ، ففعل ذلك .