أستحييك بحق أحب إلي من أن أقتلك بحق ! حتى رآه يعاند الحجة ، ويكذب صراحاً عند الجواب . وكان آخر ما عاند فيه وأنكر الحق وهو يراه : أن أحمد بن أبي دواد قال له : أليس لا شئ إلا قديم أو حديث ؟ قال : نعم . قال : أوليس القرآن شيئاً ؟ قال : نعم . قال : أوليس لا قديم إلا الله ؟ قال : نعم . قال : فالقرآن إذا حديث ؟ قال : ليس أنا متكلم . وكذلك كان يصنع في جميع مسائله ، حتى كان يجيبه في كل ما سأل عنه ، حتى إذا بلغ المخنق ، والموضع الذي إن قال فيه كلمة واحدة برئ منه صاحبه قال : ليس أنا متكلم !
فلا هو قال في أول الأمر : لا علم لي بالكلام ، ولا هو حين تكلم فبلغ موضع ظهور الحجة ، خضع للحق . فمقته الخليفة وقال عند ذلك : أفٍّ لهذا الجاهل مرة والمعاند مرة . وأما الموضع الذي واجه فيه الخليفة بالكذب ، والجماعة بالقحة وقلة الإكتراث وشدة التصميم ، فهو حين قال له أحمد بن أبي دواد : تزعم أن الله رب القرآن ؟ قال : لو سمعت أحداً يقول ذلك لقلت . قال : أفما سمعت ذلك قط من حالف ولا سائل ، ولا من قاص ، ولا في شعر ، ولا في حديث !
قال : فعرف الخليفة كذبه عند المسألة ، كما عرف عنوده عند الحجة .
وأحمد بن أبي دواد حفظك الله أعلم بهذا الكلام ، وبغيره من أجناس العلم ، من أن يجعل هذا الإستفهام مسألة ، ويعتمد عليها في مثل تلك الجماعة . ولكنه أراد أن يكشف لهم جرأته على الكذب ، كما كشف لهم جرأته في المعاندة . فعند ذلك ضربه الخليفة . وأية حجة لكم في امتحاننا إياكم ، وفي إكفارنا لكم .