وزعم يومئذ أن حكم كلام الله كحكم علمه ، فكما لا يجوز أن يكون علمه محدثاً ومخلوقاً ، فكذلك لا يجوز أن يكون كلامه مخلوقاً محدثاً .
فقال له : أليس قد كان الله يقدر أن يبدل آية مكان آية ، وينسخ آية بآية ، وأن يذهب بهذا القرآن ويأتي بغيره ، وكل ذلك في الكتاب مسطور ؟
قال : نعم . قال : فهل كان يجوز هذا في العلم ، وهل كان جائزاً أن يبدل الله علمه ويذهب به ويأتي بغيره ؟ قال : ليس .
وقال له : روينا في تثبيت ما نقول الآثار ، وتلونا عليك الآية من الكتاب ، وأريناك الشاهد من النقول التي بها لزم الناس الفرائض ، وبها يفصلون بين الحق والباطل ، فعارضنا أنت الآن بواحدة من الثلاث .
فلم يكن ذلك عنده ، ولا استخذى من الكذب عليه في غير هذا المجلس ، لأن عدة من حضره أكثر من أن يطمع أحدا أن يكون الكذب يجوز عليه .
وقد كان صاحبكم هذا يقول : لا تقية إلا في دار الشرك . فلو كان ما أقر به من خلق القرآن كان منه على وجه التقية ، فقد أعمل التقية في دار الإسلام ، وقد أكذب نفسه . وإن كان ما أقر به على الصحة والحقيقة فلستم منه ، وليس منكم . على أنه لم ير سيفاً مشهوراً ، ولا ضرب ضرباً كثيراً ، ولا ضرب إلا ثلاثين سوطاً مقطوعة الثمار ، مشعثة الأطراف ، حتى أفصح بالإقرار مراراً !