ولا كان في مجلس ضيق ، ولا كانت حاله حال مؤيسة ، ولا كان مثقلاً بالحديد ولا خلع قلبه بشدة الوعيد . ولقد كان ينازع بألين الكلام ، ويجيب بأغلظ الجواب ، ويرزنون ويخف ويحلمون ويطيش .
وعبتم علينا إكفارنا إياكم ، واحتجاجنا عليكم بالقرآن والحديث ، وقلتم : تكفروننا على إنكار شئ يحتمله التأويل ويثبت بالأحاديث ، فقد ينبغي لكم أن لا تحتجوا في شئ من القدر والتوحيد بشئ من القرآن ، وأن لا تكفروا أحداً خالفكم في شئ ! وأنتم أسرع الناس إلى إكفارنا ، وإلى عداوتنا والنصب لنا » .
أقول : هاتان شهادتان على أن أحمد لم يصمد أمام امتحان المعتصم ، إحداهما من اليعقوبي الثقة المتثبت ، والثانية من الجاحظ وقد واجه بها الحنابلة فلم يردوها .
ويؤيد ذلك أن المسعودي قال إن المعتصم ضرب أحمد ليقول بخلق القرآن ، وكأنه قال به . قال في مروج الذهب « ٣ / ٤٦٤ » : « وفيها « سنة ٢١٩ » ضَرَب المعتصم أحمد بن حنبل ثمانية وثلاثين سوطاً ليقول بخلق القرآن » .
وروى
ابن العمراني في الإنباء في تاريخ الخلفاء « ١ / ١٠٥ »
أن أحمد استعطف المعتصم بأن خالد بن ابراهيم الشيباني من أنصار بني العباس ، قال : « وحين أحضره المعتصم بين يديه سلَّمَ وتكلم بكلام أعجب الناس ، ثم قال في أثناء كلامه : يا أمير المؤمنين إن لآبائى سبقاً في هذه الدعوة ، فليسعني ما وسع أصحاب رسول الله من السكوت والرضا من جميعهم بأن القرآن كلام الله » . وهو يقصد أبا داود