يا فتح : كل جسم مُغَذَّى بغذاء إلا الخالق الرزاق ، فإنه جَسَّمَ الأجسام ، وهو ليس بجسم ولا صورة ، لم يتجزأ ، ولم يتناه ، ولم يتزايد ، ولم يتناقص ، مبرأٌ من ذات ، ما رُكب في ذاتٍ من جسمه .
وهو اللطيف الخبير ، السميع البصير ، الواحد الأحد الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ، منشئ الأشياء ، ومجسم الأجسام ، ومصور الصور .
لو كان كما يقول المشبهة ، لم يعرف الخالق من المخلوق ، ولا الرازق من المرزوق ولا المنشئ من المنشأ ، لكنه المنشئ ، فرق بين من جَسَّمَهُ وصَوَّرَه وشَيَّأَه وبيَّنه ، إذ كان لا يشبهه شئ .
قلت : فالله واحد والإنسان واحد ، فليس قد تشابهت الوحدانية ؟
فقال : أَحَلْتَ ثبتك الله ، إنما التشبيه في المعاني ، فأما في الأسماء فهي واحدة ، وهي دلالة على المسمى ، وذلك أن الإنسان وإن قيل واحد ، فإنه يخبر أنه جثة واحدة وليس باثنين ، والإنسان نفسه ليس بواحد ، لأن أعضاءه مختلفة ، وألوانه مختلفة غير واحدة ، وهو أجزاء مجزأة ليس سواء ، دمه غير لحمه ، ولحمه غير دمه ، وعصبه غير عروقه ، وشعره غير بشره ، وسواده غير بياضه ، وكذلك سائر جميع الخلق ، فالإنسان واحد في الإسم ، لا واحد في المعنى ، والله جل جلاله واحد لا واحد غيره ، ولا اختلاف فيه ، ولا تفاوت ، ولا زيادة ، ولا نقصان .
فأما الإنسان المخلوق المصنوع المؤلف ، فمن أجزاء مختلفة وجواهر شتى ، غير أنه بالإجتماع شئ واحد .