كثيرة ، وقد قال تعالى : كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ . والكثرة هاهنا تناول أنواعها من المقادير ، لأن الفئات المعلومة مع الكثرة لا تحصر في عدد معين ، وقد تكون الفئة القليلة ألفاً ، والفئة الكثيرة ثلاثة آلاف ، فهي قليلة بالنسبة إلى كثرة عدد الأخرى ، وقد قال تعالى : إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ . ومعلوم أن الله أراه أهل بدر أكثر من مائة ، وقد سمى ذلك قليلاً بالنسبة والإضافة ، وهذا كله مما يبين أن القلة والكثرة أمر إضافي ، ولهذا تنازع الفقهاء فيما إذا قال : له عليَّ مال عظيم أو خطير أو كثير أو جليل ، هو يرجع في تفسيره إليه فيفسره بما يتمول ، كقول الشافعي ، وطائفة من أصحاب أحمد ، أو لا يقبل تفسيره إلا بما له قدر خطير ، كقول أبي حنيفة ومالك . وبعض أصحاب أحمد على قولين ، وأصحاب القول الثاني منهم من قدره بنصاب السرقة ، ومنهم من قدره بنصاب الزكاة ، ومنهم من قدره بالدية ، وهذا النزاع في الإقرار ، لأنه خبر والخبر عن أمر ماض قد علمه المقر .
وأما المسألة المذكورة فهي إنشاءٌ كما
لو أوصى له بدراهم كثيرة ، والأرجح في مثل هذا أن يرجع إلى عرف المتكلم ، فما كان يسميه مثله كثيراً حمل مطلق كلامه على أقل محتملاته ، والخليفة إذا قال دراهم كثيرة في نذر نذره لم يكن عرفه في مثل هذا مائة درهم ونحوها ، بل هو يستقل هذا ولا يستكثره ، بل إذا حمل كلامه على مقدار الدية اثنة عشر ألف درهم ، كان هذا أولى من حمله على ما دون ذلك . واللفظ يحتمل أكثر من ذلك ، لكن هذا مقدار النفس المسلمة في الشرع ولا يكون عوض المسلم إلا كثيراً ، والخليفة يحمل الكثير منه على ما لا يحمل الكثير