أحدها ، أن قول القائل إن المواطن كانت سبعاً وعشرين غزاة ، وستاً وخمسين سرية ، ليس بصحيح ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغز سبعاً وعشرين غزاة باتفاق أهل العلم بالسير ، بل أقل من ذلك .
الثاني : أن هذه الآية نزلت يوم حنين ، والله قد أخبر بما كان قبل ذلك فيجب أن يكون ما تقدم قبل ذلك مواطن كثيرة ، وكان بعد يوم حنين غزوة الطائف ، وغزوة تبوك ، وكثير من السرايا كانت بعد يوم حنين ، كالسرايا التي كانت بعد فتح مكة ، مثل إرسال جرير بن عبد الله إلى ذي الخلصة ، وأمثال ذلك . وجرير إنما أسلم قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بنحو سنة . وإذا كان كثير من الغزوات والسرايا كانت بعد نزول هذه الآية ، امتنع أن تكون هذه الآية المخبرة عن الماضي إخباراً بجميع المغازي والسرايا .
الثالث : أن الله لم ينصرهم في جميع المغازي ، بل يوم أحد تولوا وكان يوم بلاء وتمحيص ، وكذلك يوم مؤتة وغيرها من السرايا ، لم يكونوا منصورين فيها ، فلو كان مجموع المغازي والسرايا ثلاثاً وثمانين ، فإنهم لم ينصروا فيها كلها حتى يكون مجموع ما نصروا فيه ثلاثاً وثمانين . الرابع : اختصاص هذا القدر بذلك ، فإن لفظ الكثير لفظ عام يتناول الألف والألفين والآلاف ، وإذا عم أنواعاً من المقادير ، فتخصيص بعض المقادير دون بعض تحكم .
الخامس : أن الله تعالى قال : مَّن ذَا الَّذِي
يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ، والله يضاعف الحسنة إلى سبع مائة ضعف
بنص القرآن ، وقد ورد أنه يضاعفها ألفي ألف حسنة ، فقد سمى هذه الأضعاف كثيرة ، وهذه المواطن