فلما صلَّى عبيد الله وجلس لم يجتز به أحد من الحاشية كبير ولا صغير إلَّا قام إليه قائماً وسلَّم عليه ، حتى قام إلى رئيس الفراشين ! فرآه بعض الحاشية فقال : من هذا الشقي الذي قد قام لسائر الناس حتى قام إلى الكلاب ؟ فقيل له فلان .
ثم أذن له المتوكل لما خلا ، فدخل إليه وكان على رأسه قلنسوة سوداء شاشية ، وكان طويل العنق فظهرت عنقه . فلما رآه المتوكل أومأ بيده إلى قفاه ومسحه شبه صفعة ، فأخذ عبيد الله يده فقبلها فنفق عليه وخف على قلبه وسُرَّ بذلك ، واستخف روحه وقال له : أكتب . فكتب وهو قائم : إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ، إلى قوله عز وجل : وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا . فكتب : وينصرك الله يا أمير المؤمنين نصراً عزيزاً ، فزاد ذلك في تقبل المتوكل له وتفاءل بذلك ، وقال له : إلزم الدار ، فكان يلزمها منذ السحر ، إلى وقت نوم المتوكل في الليل .
وقوي أمره مع الأيام ، حتى صار يعرض الأعمال ، كما كان الوزراء يعرضونها وليس هو بعدُ وزير ، والتاريخ لوصيف . فأمره المتوكل في بعض الأيام أن يكتب نسخة في أمر الأبنية فقال : نعم . فلما كان بعد ساعة سأله هل كتبت ؟ فقال : لم يكن معي دواة . فقال : أكتب الساعة ، فاستحضر دواة ، وكان إيتاخ الحاجب قائماً يسمع ذلك ، فلما خرج عبيد الله قال له : إنما طلبك أمير المؤمنين لتكتب بين يديه فإذا حضرت بلا دواة فلأي شئ تجئ ؟ فقال له عبيد الله : وأي مدخل لك أنت في هذا ، أنت حاجب أو وزير ؟ فاغتاظ من ذلك فأمر به فبُطح وضربه على رجليه عشرين مقرعة ، وقال له : الآن علمت أن لي فيه مدخلاً !