محبوبة ، وقد نشأت بالطائف فوقعت من قلب المتوكل موقعاً عظيماً وحلت من نفسه محلاً جسيماً ، وكانت تسامره ولا تفارقه ، فغاضبها يوماً وأمرها بلزوم مقصورتها ، وأمر أن لا يدخل الجواري عليها .
قال علي بن الجهم : فبينا أنا عنده جالسٌ يوماً إذ قال لي : يا علي رأيت البارحة كأنني صالحتُ محبوبة ! فقلت : أقر الله عينيك وجعله حقيقة في اليقظة .
وإنا لفي ذلك إذ أقبلت وصيفة كانت تقف على رأسه فقالت : يا أمير المؤمنين سمعت الساعة في منزل محبوبة غناءً ، فقال لي : يا علي قم بنا الساعة ، فإنا سنرد على بوادر ظريفة ، فأخذ بيدي وجعلنا نمشي رويداً لئلا يُسْمَعَ حِسُّنَا ، فوقف على باب المقصورة ، وإذا بها تضرب بالعود وتغني :
أدورُ في القصر لا أرى أحداً |
|
أشكو إليه ولا يكلمني |
حتى كأني جنيتُ معصيةً |
|
ليست لها توبةٌ تُخلصني |
فهل شفيعٌ لنا إلى ملكٍ |
|
قد زارني في الكرى وصالحني |
حتى إذا ما الصباح لاحَ لنا |
|
عاد إلى هَجْره فصارمني |
فنفر المتوكل طرباً ونفرتُ معه لنفيره ، فأحسَّت بنا فخرجت حافية ، ثم أكبَّت على رجلي أمير المؤمنين ويديه ورأسه ، ثم قالت : يا أمير المؤمنين رأيت البارحة في النوم كأني قد صالحتك ! فقال لها : وأنا والله رأيت مثل ذلك .