٣. وحدث أبومحمد بدر بن أبي الإصبع ، عن أبيه عن أبي عبد الله محمد بن الجراح عن أبيه ، أن المتوكل قال يوماً لبختيشوع : أدعني . فقال : السمع والطاعة فقال : أريد أن يكون ذلك غداً . قال : نعم وكرامة . وكان الوقت صائفاً وحره شديداً . فقال بختيشوع لأعوانه : وأصحابه أمرنا كله مستقيم إلا الخيْش فإنه ليس لنا منه ما يكفي ، فأحضر وكلاءه وأمرهم بابتياع كل ما يوجد من الخيش بسر من رأى ففعلوا ذلك ، وأحضروا كل من وجدوه من النجادين والصناع ، فقطع لداره كلها صونها وحجرها ومجالسها وبيوتها ومستراحاتها ، خيْشاً ، حتى لا يجتاز الخليفة في موضع غير مخيَّش . وإنه فكر في روائحه التي لا تزول إلا بعد استعماله مدة ، فأمر بابتياع كل ما يقدر عليه بسر من رأى من البطيخ ، وأحضر أكثر حشمه وغلمانه وأجلسهم يَدْلِكُونَ الخيشَ بذلك البطيخ ليلتهم كلها ، وأصبح وقد انقطعت روائحه ..
وأمر طباخيه بأن يعملوا خمسة آلاف جونة « طبق » في كل جونة بابُ خبز سَميد دَسْتٍ رِقاق ، وزن الجميع عشرون رطلاً ، وحَمَلٌ مشويٌّ وجَدْيٌ باردٌ ، وفائقةٌ ودجاجتين مصدرتان ، وفرخان ومصوصان ، وثلاثة ألوان ، وجام حلواء .
فلما وافاه المتوكل رأى كثرة الخيش
وجِدَّته فقال : أي شئ ذهب برائحته ، فأعاد عليه حديث البطيخ ، فعجب من ذلك ، وأكل هو وبنو عمه والفتح بن خاقان على مائدة واحدة ، وأجلس الأمراء والحجاب على سماطين عظيمين ، لم