فقال أبو عبيدة بن الجرّاح لعليّ كرّم الله وجهه : يا بن عمّ ! إنّك حديث السنّ وهؤلاء مشيخة قومك ، ليس لك مثل تجربتهم ، ومعرفتهم بالأُمور ، ولا أرىٰ أبا بكر إلاّ أقوىٰ علىٰ هذا الأمر منك ، وأشدّ احتمالاً واضطلاعاً به ، فسلّم لأبي بكر هذا الأمر ، فإنّك إن تعش ويطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق وبه حقيق ، في فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك.
فقال عليّ كرّم الله وجهه : الله الله يا معشر المهاجرين ! لا تخرجوا سلطان محمّد في العرب عن داره وقعر بيته ، إلىٰ دوركم وقعور بيوتكم ، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه ، فو الله يا معشر المهاجرين ! لنحن أحقّ الناس به ، لأنّنا أهل البيت ، وأنا أحقّ بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب الله ، الفقيه بدين الله ، العالم بسُنن رسول الله ، المضطلع بأمر الرعية ، المدافع عنهم الأُمور السيئة ، القاسم بينهم بالسوية ، والله إنّه لفينا ، فلا تتّبعوا الهوىٰ ، فتضلّوا عن سبيل الله ، فتزدادون من الحقّ بُعدا (١).
وأقول :
قد أجرىٰ الله تبارك وتعالىٰ أيضاً بيان ثبوت حقّ أمير المؤمنين عليهالسلام بالخلافة بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مباشرة علىٰ لسان ألدّ أعدائه ، وهو معاوية ، فانظر إلىٰ رسالته الّتي بعثها إلىٰ محمّد بن أبي بكر ، جواباً علىٰ رسالة كان قد بعثها الأخير إليه ..
قال معاوية مخاطباً محمّد بن أبي بكر : فقد كنّا أنا وأبوك معنا في حياة نبيّنا نعرف حقّ ابن أبي طالب لازماً لنا ، وفضله مبرزاً علينا ، فلمّا
__________________
(١) الإمامة والسياسة : ٢٩.