وبما أوردنا سابقاً من روايات أهل السُنّة يُعلم أنّ وجود المحدَّث في الأُمّة مسلّم ، وأنّ التحديث ليس وحياً ، ولا يستلزم النبوّة كذلك (١) ، وإنّما الخلاف في مصداقه وشخصه ؛ فالعامّة يقولون : إنّه عمر ، وعمران ، ونحوهما ، والإمامية يقولون : إنّه أمير المؤمنين وأئمّة أهل البيت من ولده.
مع أنّ المسلمين جميعاً اتّفقوا علىٰ أنّ التسديد والعصمة من الضلال أبداً هي من نصيب أئمّة أهل البيت عليهمالسلام ; لِما جاء في حديث الثقلين المتواتر المشهور : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ; ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » (٢).
وكذلك قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « مَن أحبّ أن يحيا حياتي ، ويموت ميتتي ، ويدخل الجنّة الّتي وعدني ربّي ، وهي جنّة الخلد ، فليتولّ عليّاً وذرّيّته من بعده ؛ فإنّهم لن يخرجوكم من باب هدىً ، ولن يدخلوكم في باب ضلالة » (٣).
__________________
(١) قال ابن الأثير في النهاية ١ / ٣٣٧ : المحدَثّون ( بفتح الدال وتشديدها ) : إنّهم المُلهَمون ، والمُلهَم : هو الّذي يُلقىٰ في نفسه شيء ، فيغيّر به حدساً وفراسة ، وهو نوع يختصّ به الله عزّ وجلّ مَن يشاء من عباده الّذين اصطفىٰ. انتهىٰ.
(٢) راجع : حديث الثقلين بمختلف ألفاظه في صحيح مسلم ٧ / ١٢٣ كتاب الفضائل باب : فضائل عليّ بن أبي طالب ، صحيح الترمذي ٥ / ٣٢٨ ، مصابيح السُنّة ـ للبغوي ـ : ٢٠٦ ، المعجم الكبير ٣ / ٦٥ و ٦٦ ، كنز العمّال ١ / ١٧٢ ، المستدرك علىٰ الصحيحين ٣ / ١١٨ وصحّحه ، وأقرّه الذهبي كما في تلخيص المستدرك بذيل المستدرك ، خصائص أمير المؤمنين عليهالسلام ـ للنسائي الشافعي ـ : ٩٣ ، سلسلة الأحاديث الصحيحة ـ للألباني ـ ٤ / ٣٥٥ ..
قال ابن حجر في الصواعق المحرقة : ٩٠ ، بعد بيان سر انتشار الحديث واشتهاره : ثمّ اعلم أنّ لحديث التمسّك بذلك طرقاً كثيرة ، وردت عن نيف وعشرين صحابياً.
(٣) سبق ذكر مصادره في ص ١٧٣.