وعلىٰ أية حال ، فقد يقول قائل :
لماذا هذا الشكّ في المصداق ، فإنّ الآية كشفت عن إيمان المبايعين ، وأنّها دلّت علىٰ أنّ كلّ الّذين بايعوا في هذه الواقعة هم من المؤمنين الّذين رضي الله عنهم.
قلنا :
مع غضّ النظر عن البيان المتقدّم ، وما يفيده كلام القائل هنا من استدلال عقيم ; لِما فيه من جنبة الدور ، فإنّه مخالف لظاهر الآية الكريمة وللنصوص الواردة عن الواقعة ; فقد جعل سبحانه في الآية الكريمة بياناً وعلامة ـ أي للمؤمنين المبايعين تحت الشجرة ـ تكشف أنّ رضاه سبحانه كان عن بعض المبايعين لا عن جميع المبايعين ..
فقد قال سبحانه عن الّذين رضي عنهم في البيعة : ( فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) .. وعند العودة إلىٰ نصوص الواقعة نجد أنّ المبايعين بايعوا علىٰ أن لا يفرّوا ، وفي بعض النصوص : أنّهم بايعوا علىٰ الموت ، وفي بعضها : أنّهم بايعوا علىٰ أن لا يفرّوا وعلىٰ الموت ، وفي رابعة : أنّهم بايعوا علىٰ أن لا يفرّوا دون البيعة علىٰ الموت ، فيكون القدر المتيقّن هو : البيعة علىٰ عدم الفرار ، وإن كان لازم عدم الفرار هو معنىٰ البيعة علىٰ الموت ، فلا تختلف عندئدٍ المضامين الواردة في هذه النصوص (١) ..
__________________
(١) انظر : فتح الباري ٦ / ٨٢ و ٧ / ٣٤٥ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٤١ ، تاريخ دمشق ٣٩ / ٧٧ ، تفسير الطبري ٢٦ / ١١٤ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٣٥٧.