إلاّ أنّنا نجـد أنّ جملة من المبايعـين تحت الشجرة قد فرّوا في أوّل واقعة حصلت بعد هذه البيعة ، وهي واقعة خيبر ، وما جرىٰ فيها من هزيمة بعضهم ، حتّىٰ أنّه رجع إلىٰ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يجبّن أصحابه ويجبّنه أصحابه (١).
فاضطر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يستدعي عليّاً عليهالسلام ، وكان أرمد العين حينها ، وأمـره بالتوجّـه إلىٰ خيبر لفتحـها ، وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل استدعائه عليّاً عليهالسلام تكلّم بكلام أظهر فيه تذمّره من ظاهرة الفرار الّتي تكرّرت في خيبر ; إذ قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « سأُعطي الراية غداً إلىٰ رجل يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، كرّار غير فرّار » (٢) ( هكذا ) ، وهو تعريض واضح بمَن تكرّرت منهم حالة الفرار من قبل.
فهل يصحّ لقائل أن يقول ، بعد معرفته بشرائط هذه البيعة ومعاهدتهم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الوفاء بعدم الفرار (٣) ، ثمّ فرارهم الواقعي من المعركة وعدم حصول الفتح علىٰ أيديهم ، وهم كانوا من المبايعين حتماً ، بأنّ : سياق الآية
__________________
(١) وهو : عمر بن الخطّاب ; انظر : المستدرك علىٰ الصحيحين ـ للحاكم ـ ٣ / ٤٠ ; وصحّـحه ، تلخيص المستدرك ـ للذهبي ـ ٣ / ٤٠ ; وصحّحه ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ٨ / ٥٢١ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٩٧.
(٢) انظر : تاريخ دمشق ٤١ / ٢١٩ ، السيرة الحلبية ٣ / ٧٣٧ ، السيرة النبوية ـ لزيني دحلان ـ ٢ / ٢٠٠ ..
ولا يخفىٰ علىٰ المحيط بعلوم العربية أنّ استعمال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم صيغة المبالغة : « فعّال » في كلامه ، فيه من الدلالة علىٰ كثرة الفرّ ، والتعريض بفاعله في تلك الواقعة ؛ لأنّ « فعّال » معناه كثير الفعل ، وهذه الصيغة لا تستعمل إلاّ عند الإكثار من الشيء ، أو عند التعريض بالإكثار من الشيء.
(٣) قال الطبري في تفسيره جامع البيان ٢٦ / ١١٤ : وقوله : ( فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ ) يقول تعالىٰ ذكره : فعلم ربّك يا محمّد! ما في قلوب المؤمنين من أصحابك إذ يبايعونك تحت الشجرة ، من صدق النية ، والوفاء بما يبايعونك عليه. انتهىٰ.