الكريمة يمكن أن يكون هكذا : إنّ الله علم ما في قلوب بعضهم من عدم الوفاء بالبيعة وأنّهم سيفرّون ، ومع هذا أنزل السكينة علىٰ قلوبهم وأثابهم فتحاً قريباً !!
فهل يمكن قبول مثل هذا البيان وعدّه تفسيراً صحيحاً للآية ؟!
إنّ هذا في الواقع كلام لا يمكن لأحد أن ينطق به ، فضلاً عن قبوله ; لأنّ السكينة تعني الطمأنينة والثبات ، وهي خلاف الخوف والفرار من المعركة ، كما أنّ إثابة الفتح تعني الفوز والنصر ، وهي خلاف الهزيمة وعدم الفـتح ، فكيف يصـير الجمع بين هذه المتخالفات في كلام الحقّ سبحانه لتتمّ استفادة رضاء الله تعالىٰ عن جميع المبايعين تحت الشجرة كما يرغب بعضـهم ؟!!
إنّ الآية الكريمة في الحقيقة لا تفيد المدّعي في دعواه ، بل هي علىٰ خلاف المدّعىٰ تماماً ؛ لِما فيها من تمييز المرضي عنهم عن غير المرضي عنهم ، وهو خلاف دعوىٰ رضاه سبحانه عنهم جميعاً.
ومع ذلك ، لو تنزّلنا عن هذا أيضاً وقبلنا بأنّ الآية دلّت علىٰ شمول جميع المبايعين تحت الشجرة بالرضوان ، فلا يمكننا قبول القول باستمرار الرضوان عن الجميع ; وذلك لوقوع المعصية منهم بالفرار ـ في ما بعد ـ ونقض العـهد ..
قال تعالىٰ : ( وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) (١).
أي : قد توعّد سبحانه علىٰ الفرار بالغضب والنار ، فدلّ علىٰ كونه
__________________
(١) سورة الأنفال : الآية ١٦.