وأنت إذا تأمّلت نهج البلاغة وجدته كلّه ماءً واحداً ، ونَفَساً واحداً ، وأُسلوباً واحداً ، كالجسم البسيط الذي ليس بعض من أبعاضه مخالفاً لباقي الأبعاض في الماهيّة ، وكالقرآن العزيز ؛ أوّله كوسطه ، وأوسطه كآخره ، وكلّ سورة منه وكلّ آية مماثلة في المأخذ والمذهب والفنّ والطريق والنظم لباقي الآيات والسِور.
ولو كان بعض نهج البلاغة منحولا وبعضه صحيحاً ، لم يكن ذلك كذلك ، فقد ظهر لك بالبرهان الواضح ضلال مَن زعم أنّ هذا الكتاب أو بعضه منحول إلىٰ أمير المؤمنين عليه السلام.
واعلم أنّ قائل هذا القول يطرُق علىٰ نفسه ما لا قِبَل له به ; لأنّا متىٰ فتحنا هذا الباب ، وسلّطنا الشكوك علىٰ أنفسنا في هذا النحو ، لم نثق بصحّة كلام منقول عن رسول الله صلّىٰٰ الله عليه وآله أبداً ، وساغ لطاعن أن يطعن ويقول : هذا الخبر منحول ، وهذا الكلام مصنوع ، وكذا ما نقل عن أبي بكر وعمر من الكلام والخطب والمواعظ والآداب وغير ذلك ، وكلّ أمر جعله هذا الطاعن مستنداً له في ما يرويه عن النبيّ صلّىٰٰٰ الله عليه وسلّم وآله والأئمّة الراشدين والصحابة والتابعين والشعراء والمترسّلين والخطباء ، فلناصري أمير المؤمنين عليهالسلام أن يستندوا إلىٰ مثله في ما يروونه عنه من نهج البلاغة وغيره ، وهذا واضح » (١).
والكتاب الذي بين أيدينا « تصحيح القراءة في نهج البلاغة » هو ردّ علىٰ ما جاء في كتيّب صغير كتبه طه حامد الدليمي أسماه : « قراءة في نهج البلاغة » ، تعرّض فيه لبعض ما ورد في نهج البلاغة ؛ إذ قرأ « النهج » قراءة
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٠ : ١٢٨ ـ ١٢٩.