ونهاية حبّهم لأخذها وجمعها ، لم يرتدعوا ، ولم ينتهوا ، ولم يتركوا ، حتّى نزلت آية أخرى (١) تأكيدا لما سبق ، وتزييدا في التشديد والتهديد كي يرتدعوا ، وهم من غاية توغّلهم في الحرص والحب لم يرتدعوا من الآية الثانية أيضا ، حتّى نزلت آية أخرى ثالثة (٢) ، ومع ذلك لم يرتدعوا أيضا ، حتّى نزلت آية أخرى (٣) ، فلم يرتدعوا حتّى نزلت ( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ) (٤).
ومعلوم بالبديهة أنّ جميع هؤلاء ما كانوا مجانين ، بل كانوا مكلّفين ، ومعلوم أيضا بالضرورة أنّهم ما كانوا عشّاقا لهذه العبارة والهين مضطرّين إلى أن ينزل آيات متتالية وتهديدات متتابعة هائلة ، ومع ذلك لم يتملّكوا رفع اليد عن ذكر تلك العبارة الميشومة حين المشارطة في أخذ الزيادة الّتي لو كانوا يتركون تلك العبارة لكان حلالا لهم أن يأخذوا أضعاف تلك الزيادة أضعافا مضاعفة ، ولو كانوا يذكرون تلك لكان يحرم عليهم الفلس زائدا ، بل عشر معشار الفلس ، بل أنقص منه ، ومع ذلك لم يتركوا العبارة وآثروا مخالفة الله تعالى ورسوله مرارا متكرّرة مع إطاعتهم لجميع الشرع سوى رفع اليد عن خصوص العبارة.
وهذا ممّا لا يرضى العقل أن ينسبه إلى من هو أحمق من ابن هبنقة (٥) ، فضلا أن ينسب إلى هؤلاء جميعا.
ومع ذلك كان اللازم على الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ بعد الله تعالى ـ أن يصرّح بأنّ
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٧٥.
(٢) البقرة ٢ : ٢٧٦.
(٣) البقرة ٢ : ٢٧٨.
(٤) البقرة ٢ : ٢٧٩.
(٥) كذا ، والصحيح : ( هبنّقة ) ، وهو لقب ذي الودعات يزيد بن ثروان ، وكان يضرب به المثل في الحمق. راجع : لسان العرب : ١٠ ـ ٣٦٥ ، تاج العروس : ٧ ـ ٩٣.