المشروعية إدخال في الدين ما ليس منه ، بل لو لم يعتقد مشروعيته إذا فعله بصورة المشروع لا يبعد تحريمه ؛ مدفوع بما عرفت من انتفاء البدعة مع قصد الحائطة ؛ إذ ليس ذلك إدخالا في الدين ما ليس منه بل إنّما يؤتى به من جهة احتماله لمصادفة ما ثبت في الدين. كيف ، وما ورد في الأخبار من الأمر بالاحتياط قاض بتعلّق الطلب به ، ومع تعلّق الأمر به لا يعقل توهّم البدعة.
قلت : ليس المقصود في الاحتجاج المذكور الاستناد إلى المنع من استعماله في الوضوء ونحوه ، بل المراد المنع منه في الشرب ونحوه ؛ إذ من الواضح حرمة شرب النجس في نفسه ولا يعلم الاجتناب عنه إلّا مع الاجتناب عن الأمرين.
ومن ناقش فيه من المتأخرين ناقش في المقامين.
وأمّا المنع من استعمال كلّ منهما في الطهارات فله وجه آخر يأتي إن شاء الله القول فيه.
وما يقال من أنّه إنّما دلّ الدليل على وجوب الاجتناب عنه مع العلم بالنجاسة ، وأمّا مع الجهل بها فلا دليل على وجوبه (١) مدفوع بأنّ الأحكام ثابتة للواقع من دون مدخليّة في ثبوتها للعلم والجهل كما هو ظاهر الإطلاقات. غاية الأمر قيام الدليل من العقل والنقل على عدم وجوب البناء (٢) عليه من دون العلم رأسا ؛ إذ مع الاشتباه بغير المحصور فيبقى محلّ البحث مندرجا تحت القاعدة.
نعم ، قد يتوهّم بناء الشرع في ثبوت النجاسة مع العلم دون الواقع. وهو ضعيف لما عرفت.
وقد فصّلنا القول فيه في محلّ آخر.
وما يتخيّل من دلالة العمومات على البناء على الحلّ حتّى تعرف الحرام بعينه ، والبناء على الطهارة في الأشياء وفي خصوص الماء حتّى يعلم النجاسة غير متّجه ؛ إذ المستفاد من تلك الأخبار غير صورة الاشتباه بالمحصور كما يعرف من إرجاع تلك العبارات إلى العرف.
__________________
(١) في ( ألف ) : « وجوب ».
(٢) في بعض النسخ : « الدليل ».