وقد نصّ في المدارك والذخيرة والبحار بالإجماع على عدم وجوب الغسل إذا علم كون الخارج بعده بولا. ومن الظاهر اتحاد المسألتين وورود الأخبار فيهما على نحو سواء.
وكأنّ الوجه فيه ما هو ظاهر من أن الحكم بنقضه إنّما هو من جهة بوليّته أو منويّته ، فلا يتعقل الحكم في صورة العلم بخلافه ، فلا بدّ من تقييد الأخبار به.
قلت : ويحتمل أن يكون المبنى في إطلاق الأخبار على احتمال ممازجة شيء منهما للخارج قبل الاستبراء ، وهو ممّا لا يمكن العلم بخلافه في العادات ، فلذا أطلق الحكم بالنقض فيها.
وحينئذ فلا وجه لتقييد الإطلاقات إلّا أن يحمل كلامهم على فرض حصول العلم.
وهو كما ترى فرض محض لا يليق بالذكر ، فالظاهر أنّهم لم يعتنوا بالاحتمال المذكور أو بنوا على عدم ترتّب حكمه عليه من جهة استهلاكه لغيره.
وكلا الوجهين محلّ بحث إلّا أن يقال : إنّ المنساق من البلل في المقام هو المشتبه أو المعلوم مضافا إلى الإجماعات المنقولة الكاشفة عن فهمهم ذلك ، وتقييده بالمشتبه في جملة من العبارات ، فيكون الثابت خروجه من الأصل المذكور ما كان نفس البلل مشتبها لا ما احتمل من وجود جزء مستهلك فيه ، فيكون ذلك مندرجا تحت القاعدة الحاكمة بعدم نقض اليقين بالشك. والمقام لا يخلو من إبهام ، والعمل فيه بالاحتياط أولى وإن كان الحكم بعدم النقض (١) فيه أقوى.
وهل يحكم إذن بنجاسة المشتبه الخارج أو يبنى فيه على اصالة الطهارة وجهان ؛ ظاهرهم البناء على الأوّل.
وفي الحدائق (٢) : الظاهر من كلامهم أنّه لا خلاف في وجوب غسله ، وهذا هو الأقوى لموثقة سماعة : « إن كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله ، ولكن يتوضّى ويستنجى » (٣).
__________________
(١) في ( ب ) : « نقض اليقين » ، بدل « النقض ».
(٢) الحدائق الناضرة ٢ / ٦٢.
(٣) الكافي ٣ / ٤٩ ، باب الرجل والمرأة يغتسلان من الجنابة ، ح ٤.