وحكى تلميذه الشيخ الجليل الشيخ عبد اللطيف (١) بن أبي جامع في رجاله : أنه سمع منه مشافهة يقول : ان كلّ رجل يذكره في الصحيح فهو شاهد أصل بعدالته لا ناقل ، ومن الأصحاب من يذهب إلى ترجيح أحاديث الفقيه على غيره (٢) من الكتب الأربعة نظرا إلى زيادة حفظ الصدوق ، وحسن ضبطه ، وتثّبته في الرواية ، وتأخّر كتابه عن الكافي (٣) وضمانه فيه لصحة ما يورده ، وأنه لم يقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه ، وإنّما يورد فيه ما يفتي به ، ويحكم بصحّته ، ويعتقد أنه حجّة بينه وبين ربّه (٤).
وبهذا الاعتبار قيل : إنّ مراسيل الصدوق في الفقيه كمراسيل ابن أبي عمير في الحجيّة والاعتبار ، وإنّ هذه المزيّة من خواصّ هذا الكتاب لا توجد في غيره من كتب الأصحاب ، وقد ذكرنا كلام الأستاد الأكبر في التعليقة والفوائد ، وكلام الشيخ الأعظم في رسالة التعادل في الفائدة السابقة (٥).
وقد أطال بعضهم الكلام في الفقيه ، وذكروا قرائن ظنّوا أنّها تفيد رجوع الصدوق عمّا ذكره في أوّله ، وعدم وفائه بما جعله على عهدته ، ولكنّ المتأمّل
__________________
(١) هو الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ نور الدين علي بن شهاب الدين احمد بن أبي جامع الحارثي الهمداني الشامي العاملي ، تلميذ البهائي وصاحب المعالم والمدارك وغيرهم ، والمجاز هو واخوه عن صاحب المعالم ، اقتصر في كتابه على رجال الكتب الأربعة ، أنظر : الذريعة ١٠ : ١٢٨ / ٢٥٣.
(٢) أي : على احاديث غيره.
(٣) تأخر الفقيه عن الكافي لا يعد سببا في ترجيح أحاديثه على احاديث غيره ، والاّ لكانت احاديث التهذيبين اولى بالترجيح لتأخرها ، ولكن قد يقال ان من مزايا تأخر الفقيه عن الكافي هو وقوف الصدوق على مروياته وتحاشي رواية بعضها والتنبيه على ما انفرد به ثقة الإسلام.
وهذا هو المراد من معنى العبارة ، فلاحظ.
(٤) انظر : الفقيه ١ : ٣ من المقدمة ، فإن بعض فقرات هذا الكلام مأخوذ من هناك.
(٥) انظر : ماله علاقة بالمقام في الفائدة الرابعة.