.................................................................................................
______________________________________________________
والحاصل : أنّه لا بدّ من تحقّق الإعطاء إمّا للمسكين مباشرةً أو لمن يقوم مقامه وكالةً أو ولايةً ، فلو لم يكن المعطى وكيلاً عن زوجته أو عن أولاده الكبار ولا وليّاً على الصغار فليس الدفع إليه دفعاً لهم ، فالبلوغ وإن لم نعتبره في المقام إلّا أنّه يُعتَبر أن يكون الإعطاء للصغير إعطاءً صحيحاً شرعيّاً بأن يعطى لوليّه مثلاً بما هو ولي كما هو الحال في زكاة الفطرة.
هذا ، وقد ظهر لك ممّا تقدّم أنّ الإطعام قد يتحقّق بإعطاء الطعام وأُخرى ببذله ليؤكل من دون أن يملك ، كما في قوله تعالى (أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) (١) إذ ليس المراد به إعطاء الطعام تمليكاً ، بل رفع الجوع ببذل الطعام ليؤكل ، فالمكلّف مخيّر بين الإعطاء وبين الإطعام الخارجي ، ويظهر من اللغويّين أيضاً صحّة إطلاقه على كلّ منهما ، فهو اسم للأعمّ من التسبيب إلى الأكل ببذل الطعام فيكون المسبّب الباذل هو المطعِم ومن الإعطاء والتمليك ، والواجب هو الجامع بينهما ، ولذلك أُطلق الإطعام في موثّقة سماعة على إعطائه الطعام لكلّ مسكين مدّ ، فإنّه أيضاً إطعامٌ لا أنّه بذل له ، فالإطعام مفهوم جامع بين التسليم وبين البذل ، ولعلّ هذا المعنى الجامع هو المراد من قوله تعالى (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً) إلخ (٢).
وحينئذٍ فإن كان على سبيل الإعطاء فحدّه مدّ لكلّ مسكين ، من غير فرق بين الصغير والكبير والرجل والمرأة ، لإطلاق الأدلّة حسبما مرّ.
وأمّا إذا كان بنحو البذل فلم يُذكَر له حدّ في هذه الأخبار ، فهو ينصرف بطبيعة الحال إلى الإطعام المتعارف الذي حدّه الإشباع وإن اختلفت الكمّيّة الموصلة إلى هذا الحدّ بحسب اختلاف الناس ، فقد يأكل أحد مدّاً ، وآخر أقلّ ،
__________________
(١) قريش ١٠٦ : ٤.
(٢) الإنسان ٧٦ : ٨.