.................................................................................................
______________________________________________________
بدليل نفي الضرر ، فإنّ الضرر إنما أتى من قبل نفسه بإقدامه عليه. بل شمول دليل نفي الضرر لمثله يكون على خلاف الامتنان ، فإنّ نقض الشارع لما يختاره المكلف لنفسه لا يعد امتناناً عليه ، بل هو على خلاف الامتنان ، كما لا يخفى.
وأما إذا لم يكن الفعل بنفسه ضرريّاً ، إلّا أنه كان مقدّمة لحكم شرعي ضرري كان مشمولاً لدليل نفي الضرر جزماً وبلا إشكال فيه ، حيث إنّ الضرر إنما جاء من قبل حكم الشارع لا من قبل فعل المكلف نفسه.
ولذا لا يمكن أن يقال بوجوب الغسل أو الوضوء على من يكون استعمال الماء له ضرريّاً ، إذا أجنب نفسه عمداً أو نقض وضوءه كذلك ، بدعوى أنه هو الذي أقدم عليه. فإنه لم يقدم على الغسل أو الوضوء ، وإنما أقدم على مقدمة حكم الشارع بوجوبهما ، والإقدام عليها لا يعتبر إقداماً على الضرر نفسه ، بل يبقى الضرر ناشئاً من حكم الشارع خاصة ، وإنْ تحقق موضوعه بفعل المكلف اختياراً.
والحاصل أنّ مقتضى التمسك بدليل لا ضرر ، هو القول بشموله لمورد الغصب أيضاً. فإن الغاصب لم يقدم على الضرر مباشرة ، وإنما أقدم على الزرع في أرض الغير وهو بحدّ نفسه بضرري ليس عليه ، وإنّما الضرر يحصل من حكم الشارع بالقلع ، فينبغي أن يقال بانتفائه ، والحال أنّ بطلان هذا الحكم يكاد أن يكون من الضروريات.
إذن فالصحيح أن يقال بعدم شمول دليل لا ضرر للمقام ، نظراً لمنافاته للامتنان. وحينئذٍ فمقتضى دليل السلطنة ، جواز إلزام المالك له بالقلع من غير ضمان.
وهل للمالك مباشرة إزالة الزرع بنفسه ، أم لا؟
قيل بالأوّل ، لأنه لما كان له إلزام العامل بالقلع ، كان له مباشرة ذلك بنفسه.
وفيه : أنه لا ملازمة بين الأمرين ، فله أن يطالبه بالإزالة وليس له تصديه لذلك فإنه إتلاف لمال الغير بلا موجب.
ولذا لو دخل حيوان الغير إلى داره ، كان للمالك إلزامه بإخراجه ولو بذبحه عند تعذّر إخراجه حيّاً. وليس له مباشرة ذلك بنفسه ، ولو فعل كان ضامناً له ، لأنه تصرف في مال الغير وإتلاف له من غير رضاه.